قال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه).
إن حياة أهل القبور تندرج تحت الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى إلا أن القرآن والسنة النبوية قد نقلا لنا أدلة على حتمية وجودها يقول تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وقد قال جمع من السلف: إن لأهل القبور قبل قيام الساعة هجعة يجدون فيها طعم النوم قبل يوم القيامة فإذا صيح بأهل القبور: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
تسمى الحياة التي تفصل بين الدنيا والآخرة بحياة البرزخ وهي حياة تكون بدايتها بقبض الروح ونهايتها بقيام الساعة ويكون الإنسان خلالها في قبره إما منعما وإما معذبا بحسب عمله في الدنيا ومن مقتضيات الحياة البرزخية أن الميت يعرف كل من يزوره من البشر ويسمع على الأرجح لحديث كل من يزوره وهي الحاجز الذي يقع بين البشر وبين رجوعهم إلى الدنيا أو الانتقال إلى الآخرة حيث يظلون في تلك الحياة ما شاء الله لهم إلى أن يبعثوا من قبورهم يوم القيامة عند النفخ في الصور للعرض والحساب وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من عذاب القبر بعد كل صلاة وقال عليه السلام: (ولقَدْ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في القُبُورِ).
* المراحل التي يمر بها الميت منذ دخوله إلى القبر:
المرحلة الأولى:
تبدأ هذه المرحلة منذ اللحظة الأولى التي يوضع فيها الميت في قبره ويغلق عليه فتعاد إليه روحه ويسمع وقع أقدام الناس وهم يذهبون عنه وفيها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "والذي نفسي بيده ، إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه"
المرحلة الثانية:
لابد للإنسان من أن يسأل عن أعماله خيرا كانت أو شرا ثم يوفى استحقاقه من الثواب أو العقاب، تسمى هذه المرحلة ب (فتنة القبر) وتحدث بأن يأتي ملكان إلى الميت فيقعدانه ويسألانه عن ربه ودينه والنبي محمد عليه الصلاة والسلام فإن أحسن فإنهما يريانه مقعده من الجنة فيفرح ويستبشر ثم يدعو الله ليعجل بيوم القيامة بقوله: ربي أقم الساعة، ربي أقم الساعة! فأما وإن كان من الضالين المكذبين فإنه لا يستطيع أن يجيب ولا يذكر ما كان يقول في الدنيا إذ لم يجري الكلام على قلبه كما جرى على لسانه فقط ثم إنهما يريانه مقعده من النار فيخاف ويعرض ثم يدعو الله ليبطىء بيوم القيامة بقوله: ربي لا تقم الساعة، ربي لا تقم الساعة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قُبِر الميتُ - أو قال أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المُنكر والآخر: النّكير فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له: نم فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك).
المرحلة الثالثة:
المرحلة التي يتمثل بها عمل الإنسان في حياته الدنيا بصورة رجل إما حسن أو قبيح ويجلس معه في قبره إلى النفخ بالصور. عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في المؤمن: "ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي " .
وقال في حق الكافر: "ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: ومن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة".
إن هذا البيت التي ستدفن فيه حتما يحتاج إلى بناء وتعمير فما الذي يجعلك في غمرة الغفلة مستمرا؟ تجمع المال وتبني الدنيا وتخطط لها وليس لك في الآخرة من مأوى، كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجمع العلماء، فيتذاكرون الموت، والدار الآخرة، فيبكون كأن بين أيديهم جنازة. وقال لقمان لابنه: يا بني لكل إنسان بيتان: بيت غائب، وبيت شاهد، فلا يلهينك بيتك الشاهد الذي فيه عمرك القليل عن بيتك الغائب الذي فيه عمرك الكثير. نسأل الله الثبات في الدنيا والآخرة.
You must be logged in to post a comment.