مدينة الجبال السبعة الشامخة تحتضن بين طياتها وعبق ماضيها أدراجا عتيقة شهدت التاريخ العمراني والحضاري لعمان الحبيبة ، يقدر المؤرخون أن عدد أدراج عمان القديمة يصل إلى المليون درجة ، كانت تلك الأدراج همزة وصل بين سكان وسط البلد وسكان البيوت المتناثرة على سفوح جبال عمان ، وقد شهدت عمان تسارعا عمرانيا فأمست بيوت الطين البسيطة المبنية حول السيل منازل إسمنتية اعتلت الجبال وضمت عشرات العوائل الأردنية
ويقال أن أول درج أقيم في عمان كان زمن العصر الروماني لربط المدرج الروماني الأثري وجبل القلعة ألا أن سكان عمان أزالوه واستعملوه في بناء البيوت، ويصنف درج الحسين الذي يربط بين وسط البلد وجبل الحسين بأنه أطول الأدراج حيث يبلغ عدد درجاته 352 درجة ، أما درج جبل القلعة الذي يربط بين شارع الهاشمي (وسط البلد) وجبل القلعة الأثري الذي يشتمل على آثار رومانية وجامع أموي فيبلغ عدد درجاته نحو 250 درجة ، ويعود إلى بداية هجرة الشركس لعمان عام 1870 وبني من الطين قبل أن يرمم مطلع عشرينيات القرن الماضي برصفة حجرية.
ولكل واحد من الأدراج التي بنيت غالبيتها في الثلاثينيات أسماء محددة منها : درج سينما الأردن، شوباش، سراج، حتّر، و (جويبر أو الكواكب)، والشرعية لملاصقته للمحكمة الشرعية، والبلبيسي، ومنكو لتوسطه للسوق الذي يحمل اسم التاجر الذي أسسه ، ودرج حي الأرمن لارتباطه بالطائفة الأرمنية ، ومن الأدراج الشهيرة الكلحة الذي تبلغ درجاته 112درجة، وحمل اسم مختار المنطقة واشتهر بمحل أبو علي لبيع القطايف في شهر رمضان ، وحمل الشابسوغ اسم عائلة الشابسوغ الشركسية التي كانت تقيم في تلك المنطقة.
وهذه الأدراج بمثابة المتنفس لأبناء المنطقة والصغار الذين يتخذونها ملعبا فحملت بين طياتها ضحكاتهم وذكرياتهم ، وكانت تلك الأدراج وسيلة للتنقل وساهمت في توطيد العلاقات الإجتماعية بين الناس فلا يتردد من يصيبه العطش وهو يصعد الدرج أن يقرع أي باب طالبا الإرتواء ، فأشاع ذلك جو الود والألفة بين الناس ، وشكلت تلك الأدراج ثقافة خاصة بها وتركت ذكريات لكل من مر أو جلس عليها ، فلكل درج حكاية كدرج الشرعية الذي يرتبط بذكريات الشباب والفتيات الذين صعدوا لعقد قرانهم وكذلك يحمل ذكريات الإنفصال الحزينة .
ونظرا لضيق المساحة كانت ربات البيوت تزرعن النباتات والزهور أمام أبواب البيوت وعلى حواف الأدراج بقوارير من العلب المعدنية التي جعلت منها حدائق معلقة، وفي نهايات الأدراج كان يلتقي الشباب للسهر ويضع العشاق أقفالا على السياج الحديدي لتخليد قصص حبهم وكان من عادة النساء الجلوس صباحا لشرب القهوة والتطريز والنسيج ويجلس الرجال ليلا للسمر وتبادل الحكايات وتلعب البنات بين الزوايا.
وقد قام الشباب المتطوع في عمان بعمل مبادرات لتلوين تلك الأدراج وتزيينها بالمظلات الملونة والقوارير ورسم الجداريات والمشاهد المسرحية القصيرة، والأعمال الغرافيتية ، وتحولت بعض البيوت المحاذية للدرج إلى مقاه ومكتبات ومحلات لبيع الأعمال الفنية والقطع التراثية، مما زاد من جمالية المكان .بقلم ريهام الخطيب
You must be logged in to post a comment.