أنا وزوجتي والتوأم
هبت رياح الظهيرة مشبعةً بحرارة غيظه، دالفةً إلى منطقة أمان هادئة ساكنة حين أدار مفتاح باب منزله المتواضع بعنفٍ يكاد يكسره، تحولت الرياح إلى زوبعة، حاملة كل ضيقه وضجره، ناثرة رذاذ تأففه في الجو حوله، وهو يقول لنفسه مزمجرًا: اكتب هذا.. تعال.. اذهب.. ثم اِنبَحَّ من كثرة الصِّياح مع الطلاب ولعلهم يفهمون، ما هذه المهنة الشاقة؟ أشعر بأني سأصاب بجلطة قلبية من كل ذلك الهم والغم، ومن ذلك المدير أيضًا الذي لا يرحم أحداً.
كان المنزل هادئاً، لا صوت لأي كائن فيه، ولما دخل إلى غرفة نومه، وجد زوجته وطفليه التوأمين – اللذين كانا في شهرهما الخامس – نيام، قطَّب جبينه وقد ازداد ضيقه وهو ينظر لزوجته، ويتمتم: يا لهذه المرأة الغبية، بدل أن تستقبل زوجها المتعب العائد من العمل وتقدم له غداءه، فإذا هي نائمة مرتاحة البال لا تهتم لأمره، ولا لموعد قدومه.
زفر بقوة، علَّ الضيق الجاثم على صدره يقل، ثم خلع قميصه واتجه إلى دولابه ليستبدل ملابسه، فإذا برائحة زكية منبعثة من الدولاب تدغدغ أنفه، نبهته إلى أن ملابسه نظيفة مرتبة وهو كل يوم يبعثرها ويصرخ حين لا يجد قميصه المفضل الذي يرتديه، تهرع زوجته لإحضاره له، تلك الرائحة الزكية ليست أول مرة يشتمها، لكنها اليوم تنفذ بشدة إلى عقله الواعي وتهز شيئًا من حواسه، نظر حوله وجد غرفة نومه مرتبة ونظيفة معطرة، ثم خرج ليجد كل حجرات منزله كذلك، وحملت الرياح إليه عبق الملابس المغسولة من الشرفة بغرفة المعيشة، ثم اتجه إلى المطبخ، فوجد الغداء معدًا، تحسس القدر ليكتشف بأنه لا يزال ساخنًا كأنما أُطفئت عليه النار منذ لحظات، آلمه قلبه أن لامها على إهمالها واستهتارها.
عاد لغرفته واقترب منها ثم تأمل وجهها، الإعياء يغفو عليه ويكحل عينيها بسوادٍ خفيف، تذكر أن التوأم لا يدعانها تحظى بنوم هادئ هانئ ليلاً، وحين يستيقظ من نومه على صراخهما، يصرخ هو بعدهما متضايقًا: دعيهما يسكتان، لدي عمل غدًا وأريد أن أنام.
تمتثل لطلبه وتحمل صغيريها، ثم تغادر الغرفة لتدعه ينام وتهدئهما بعيدًا عنه، وعندما يصحو باكرًا لأجل العمل، يجدها بالمطبخ وقد أعدت له فطوره فتقدمه له، ولما يفرغ، تقول له: ثياب عملك مهيأة، إنها على السرير، لكن أرجوك لا تصدر ضجة حتى لا توقظ الصغيرين فلدي عمل كثير، يمتثل لكلامها، لكنه في قرارة نفسه كان يردد ساخرًا: عمل كثير!! ما هو؟ مجرد طبخ وغسيل وتنظيف وانتهى، ثم ستذهبين بعده إلى صديقاتك أو ستمسكين بالهاتف ولن تتوقفن عن الثرثرة، الرجال لديهم العمل الكثير لا النساء.
نسي أنها منذ ولادة الطفلين لم تذهب لزيارة أحدًا إلا في المناسبات، ثم يعود من عمله ظهرًا ليجدها تستقبله مبتسمة، تمسح عنه ضنى عمله وعناء يومه، تقدم له كل ما يطلبه هو وطفليه دون أي تذمر.
تدرجت دمعه ألم وندم على خده، أمسك بيدها، تحسس بصمة الغسيل الجافة عليها، ازداد الوجع بقلبه، وهو يقول: أناني أنا حين أرى مشقتي وأنسى مشقتك، لم أشعر بثقل عملك، لم أنظر إلا لرغباتي، كم أشفق على كل أمٍ تقتطع جزء من عمرها لتهبه لزوجها وأولادها، أحبك يا زوجتي، أنتِ منهل سعادتي، جوهرة تزين حياتي وحياة ولديّ، جوهرة تضيء لتملأ دنياي أمل.
هنا مسح على رأسها فأحست به واستيقظت، قالت وابتسامتها المعتادة قد زينت شفتيها: أخيرًا عدت، أهلاً بك، كنتُ أنتظرك لنتناول الغداء سويةً، لكن يبدو أني غفوت فلم أشعر بقدومك، على كلٍ.. بدل ثيابك ريثما أجهز سفرة الغداء.
وقبل أن تنهض، طبع على جبينها قبلة حارة، وقال لها في حنان: انتظريني لنجهز الغداء معًا، أرادت أن ترفض فألح عليها بعينيه، أطاعته مستفهمة وبدلال انثى انتظرته، ليجمعهما صفاء حبٍ نفضا به مشقة العمل. بقلم: سعاد عمر سوَّاد.
You must be logged in to post a comment.