ما هو الأسطرلاب؟
الأسطرلاب astrolabe هو عبارة عن آلة دقيقة، تصور عليها حركة النجوم في السماء، حول القطب السماوي، وقد استخدم القدماء هذه الآلة، لحل العديد من المشكلات الفلكية، كما استخدموها في الملاحة والمساحة أيضاً، وتقوم هذه الآلة بتحديد الوقت بدقة، ليلاً ونهاراً، وقد قيل كثيراً عن أصل نشأتها، إلا أن العرب قاموا بجهود عظيمة تجاهها، فاهتموا بأمرها اهتماماً بالغاً، وطوروها تطوراً كاملاً، واستخدموها على نطاق واسع في ميدان علم الفلك، وتمثلت إحدى مهامه في وضع جداول دقيقة لمواعيد الصلوات الخمس (الاتجاه إلى الكعبة في مكة)، ومواعيد فصول السنة، وهي مهام تحتاج إلى آلة عملية، سهلة الاستعمال كالأسطرلاب، ومن الجدير بالذكر أن الأسْطُرْلاب ظل مستخدماً في البلاد العربية والإسلامية، حتى عام 1800.
الأصل
وصف العالم الفيزيائي والفلكي الأمريكي وليامز الأسطرلاب قائلاً: "إنه أهم جهاز حساب فلكي، قبل اختراع الكمبيوتر الرقمي، وأهم جهاز رصد فلكي، قبل اختراع التليسكوب"، وعلى الرغم من أن الأسْطُرْلاب مجهول الأصل، إلا أن ثيون السكندري theon of alexandria كتب عنه في القرن الرابع الميلادي، ويعتبر كلاوديوس بطليموس claudius ptolemy أول من أعطى معلومات علمية، عن كيفية استعمال الأسطرلاب، في قياس ارتفاع الكواكب والنجوم، وكان ذلك في عام 150 قبل الميلاد، وكلمة أسطرلاب باللغة العربية، تعريب مباشر للكلمة الإغريقية astrolabe، وتعني مرآة النجوم.
المحتويات
صنعت أسطرلابات عديدة ومتنوعة، لكن أكثرها شيوعاً هو الأسطرلاب الكروي المسطح planispheric astrolabe، وتسقط الكرة السماوية فيه على مستوى خط الاستواء، ويقدم الأسْطُرْلاب نموذجاً للسماء ثنائية الأبعاد، حيث توجد خريطة القبة السماوية، على وجه الأسطرلاب المسطح، كما توجد أداة تشير إلى الجزء المنظور من هذه القبة السماوية، وذلك في وقت معين ومكان معين، وتم رسم القبة السماوية المنظورة، على وجه الأسطرلاب، بطريقة حسابية دقيقة، وهي تكيف بحيث يسهل من خلالها إيجاد المواقع والأماكن، وهي نفس الطريقة التي استخدمت في رسم الكرة الأرضية (خريطة العالم)، وتسمح هذه الطريقة بتحول الدوائر من أشكال كروية، إلى أشكال مسطحة، من دون أن يطرأ أي تغيير على القيمة الحقيقية للزاوية، التي ترسم بين خطين على الأشكال الكروية، وعلى هذا، فإن خطوط المدارات، والخطوط السماوية، وخط الأفق، وخط الاستواء، تبقى في أشكال دائرية، أو أجزاء من دوائر، وبعض الأسطرلابات حجمه صغير جداً، بحجم راحة اليد يمكن حمله، وبعضها الآخر كبير جداً، قد يصل قطره إلى بضعة أمتار.
المهام
كان الأسطرلاب بمثابة كمبيوتر فلكي، يقوم بحل المسائل المتعلقة بمواقع الأجرام السماوية، مثل الشمس والقمر، وكذلك المسائل المتعلقة بالزمن أيضاً، وكان عبارة عن ساعة جيب للفلكيين في العصر الذهبي، حيث كان باستطاعته قياس ارتفاع الشمس، وتحديد الزمن في الليل والنهار، إضافة إلى إيجاد زمن الحدث السماوي، كشروق الشمس وغروبها، أو حساب ذروة النجم في كبد السماء، وكان ذلك ممكناً بواسطة استخدام جداول مبتكرة، طبعت على ظهر الأسطرلاب، وتحتوي هذه الجداول على معلومات عن تحولات الزمن، وتقويماً لتحويل يوم الشهر إلى موقع الشمس على دائرة البروج، ومقاييس مثلثاتية ومدرجاً بـــ(360) درجة، وقد بني الأسطرلاب على غرار نموذج الأرض، بوصفها مركز الكون الكروي، مع مراقب خيالي موضوع على ارتفاع محدد، ووقت محدد، خارج هذه الكرة، وينظر إليها من الأعلى، كانت النجوم الكبرى في السماء، تُمَثَّل على الأسطرلاب الفلكي، على صفيحة معدنية مثقبة، موضوعة في حامل دائري مبسط أكبر يسمى (الأم)، وبما أن الصفيحة المعدنية مثقبة، فإن الفلكي يستطيع الرؤية من خلالها، والنظر إلى الصفيحة الأخرى التي تحتها، والتي يوجد فيها خطوط تمثل موقعه الجغرافي، وقد يحتوي الأسْطُرْلاب على صفائح كثيرة، بحيث يستطيع الفلكي الانتقال من ارتفاع خط طول إلى آخر، وبعد استخدام جهاز الإبصار على ظهر الصفيحة لتحديد ارتفاع الشمس أو نجم ما، يستطيع الفلكي إدارة خريطة النجوم المثقبة على الصفيحة، إلى موقعه لكي يتوافق مع السماء في ذلك الوقت، عندها يمكنه أن يجري أنواع الحسابات جميعها، وللحصول على إحداثيات أدق للأجرام السماوية، والضرورية للجداول الفلكية المفصلة، يفضل استعمال الأسطرلابات مع أدوات أخرى، مثل المحلَّقات الرصدية والربعيات الكبيرة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأسطرلاب كان يعمل بأجزاء ثابتة وأجزاء دوارة، وكان (الأم) عبارة عن قرص مجوف، يحمل خريطة النجوم المثقبة، وكانت الصفائح الدوارة توضع بعضها فوق بعض، وخلف (الأم) يوجد جهاز الإبصار (العضادة)، بالإضافة إلى الجداول المثلثاتية المختلفة.
العرب
صنف العلماء العرب مقالات عديدة تحدثت بإسهاب عن الأسطرلاب، وقد وضع أبو الريحان البيروني في رسائله المهمة، نظرية بسيطة لمعرفة مقدار محيط الأرض، واخترع أبو سعيد السجزي الأسطرلاب الزورقي، وبناه على أساس أن الأرض تدور حول محورها، وأقدم أسطرلاب عربي، ما زال موجوداً حتى الآن، يعود تاريخه إلى أواسط القرن العاشر، وقد صنعه أحد تلامذة علي بن عيسى في بغداد، أما عن أقدم أسطرلاب أوروبي، ما زال موجوداً إلى يومنا هذا، فإنه يعود إلى القرن الثالث عشر، وقد قام العلماء العرب بتطوير أنواع مختلفة من الأسطرلابات، مثل الأسطرلاب الكروي والأسطرلاب الخطي، لكن لم يتم تبني هذين النوعين على نطاق واسع، لكن علماء العرب في طليطلة ابتكروا شكلاً متقدماً جداً من الأسطرلابات، عرف باسم (الأسطرلاب الكوني)، وكان ذلك في القرن الحادي عشر، وقد أحدث هذا الابتكار تنويراً عظيماً في رسم خرائط النجوم، ويعود الفضل في هذا التطور الجديد، إلى العالمين الجليلين علي بن خلف الشكاز وإبراهيم بن يحيى الزرقالي، لقد كان الأسطرلاب العالمي بحق ابتكاراً عظيماً، كان يستخدم من أي مكان، وكان من أهم مظاهره أن إسقاطه المجسم، يستخدم خط الاعتدال الربيعي أو الخريفي، مركزاً للإسقاط على مستوى الانقلاب الصيفي أو الشتوي، قال الدكتور خوليو سامسو dr. julio samso من جامعة برشلونة: "إن المسلمين استخدموا أجهزة حساب جديدة صمم الأسطرلاب، بحيث أجريت فيه تطبيقات مستحيلة الإنجاز في الأسطرلاب العادي"، وفي الحقيقة أن الأسطرلاب العادي بوجه عام، والأسطرلاب الكوني بوجه خاص، كان يعتبر ذروة الازدهار والتقدم في العصر الذهبي، فقد استعمل بكثرة، وقام علماء العرب بتطوير شكله وآلية عمله، ومن ثم انتقل الأسطرلاب إلى أوروبا، وهناك ولد علم الفلك الحديث، وذلك بفضل علماء العرب القدماء المجتهدين.
المراجع
- الموسوعة الإسلامية العامة، محمود حمدي زقزوق، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 2003.
- الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
You must be logged in to post a comment.