الشروع في الانتحار بين الإباحة والتجريم

إزاء تكرار بعض حالات الانتحار في المجتمع المصري مؤخرا ثارت حالة من اللغط بشأنه على السوشيال ميديا خاصة من الناحية القانونية فما هو الوضع القانوني الحالي طبقا لقانون العقوبات الساري لمن شرع في الانتحار ولم يتم فعله لإنقاذه مثلا وكذا لمن حرضه على الانتحار ؟

يجب أن نفرق بداءة بين الانتحار والشروع فيه وكذا من حرض عليه :

فالانتحار هو ارتكاب الشخص فعل أو امتناع يترتب عليه إزهاق روحه فتتحقق النتيجة ويموت بالفعل كما لو تناول مادة سامة أو امتنع عن الطعام لفترة زمنية طويلة. أما في حالة الشروع فإن الشخص يبدأ تنفيذ فعل (جناية أو جنحة) ثم يتوقف التنفيذ أو يخيب أثره فلا تتحقق نتيجته كما لو تعاطى الشخص مادة سامة وتم إنقاذه على الفور أو كانت الجرعة التي تعاطاها لا تكفي لإحداث الوفاة.

 

وفي حكم قانون العقوبات المصري الساري الآن فإن الانتحار والشروع فيه ليس جريمة ولا عقاب عليه فمن انتحر مات ولم يعد هناك من يمكن تحريك الدعوى الجنائية ضده ومعاقبته. أما من شرع في الانتحار وتم إنقاذه ولم يمت لا يعاقب أيضاً لعدة أسباب منها أن الشروع لا يعاقب عليه إلا إذا كان المتهم قد شرع في ارتكاب جريمة (جناية أو جنحة) ولما كان الانتحار ليس بجريمة من الأصل فإنه لا يجوز عقاب من شرع فيه . كما أن الجرائم عادة يرتكبها شخص (هو الجاني) لتقع على شخص آخر(هو المجني عليه) أما في الانتحار فإن الجاني هو ذاته المجني عليه لأن أفعاله وقعت على نفسه . كما أن أشد العقوبات المقررة قانونا للجريمة بصفة عامة هي الإعدام أي الموت وهي ذاتها ما سعى إليه المنتحر بقتل نفسه ويرى البعض أن من هانت عليه نفسه فأقبل على الانتحار لن تجدي معه العقوبة الجنائية نفعا ولن تحقق وظيفتها في ردعه وإصلاحه. ومن ثم فإن الشروع في الانتحار غير معاقب عليه لأن الشروع لا يكون إلا في جريمة والانتحار ليس جريمة.

 

أما من يحرض الشخص على الانتحار فقد طالعت على السوشيال ميديا أنه يعاقب جنائيا طبقا لنص المادة 177 عقوبات وهذا الكلام غير صحيح فهذه المادة تقرر أنه : (يعاقب بنفس العقوبات كل من حرض غيره بإحدى الطرق المتقدم ذكرها على عدم الانقياد للقوانين) ولا علاقة لها بالتحريض على الانتحار مادامت القوانين لا تجرمه.

 

وإذا طبقنا القواعد العامة لقانون العقوبات المتعلقة بالاشتراك في الجريمة سواء بالتحريض على ارتكابها أو المساعدة أو الاتفاق على ذلك مع الفاعل الأصلي نجد أن هذه القواعد تستلزم أن يكون هناك تحريض على الانتحار وأن يكون الانتحار جريمة فما دام الانتحار ليس بجريمة فإن التحريض عليه لا يعد جريمة طبقا للقواعد العامة سالفة الذكر كما أن الشريك المحرض يستمد إجرامه من جريمة الفاعل الأصلي وإذا كان انتحار الفاعل ليس بجريمة كان الأمر كذلك للمحرض أيضا بمعنى أن التحريض على شيء يعد مباح وغير مؤثم هو أيضا مباح وغير مؤثم وهذا يعني أن من حرض شخص على الانتحار لا يعد مرتكبا جريمة ومن هنا أطالب المشرع المصري بتعديل قانون العقوبات وتجريم التحريض على الانتحار بوصفه جريمة خاصة مستقلة وعدم ترك الأمر للقواعد العامة حتى لا يفلت المحرض من المسئولية الجنائية والعقاب.

 

وفيما يتعلق برؤيتي القانونية تعقيبا على ما نما إلى علمي من تقدم أحد الأعضاء بمجلس النواب بمشروع تعديل لقانون العقوبات بمعاقبة من شرع في الانتحار بوضعه ( مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، بمصحة علاج نفسي وأن يكون الإفراج عنه بقرار من اللجنة المختصة بالإشراف على المودعين بالمصحة، وفى حالة العود تكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه ) فإنني أرى أنه وإن كان من الضروري بالفعل معالجة من شرع في الانتحار لكون الغالبية العظمى منهم يعانون اليأس والإحباط والاكتئاب بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية وربما أسرية إلا أنه لا ينبغي أن يكون ذلك بحكم يصدره القضاء الجنائي لأن ذلك يعد في حقيقته عقوبة حبس وإنما بقرار يصدر عن وزير الصحة مادام الأمر رهنا بمسألة علاج نفسي بحت فمن شرع في الانتحار ليس مجرم بالمعنى المفهوم للمجرم إنما هو مريض في حاجة إلى علاج ولا يجب التعامل معه بوصفه مجرما يمثل أمام محكمة جنائية ويصدر ضده حكما جنائيا كما أنني لا أتفق مطلقا على مشروع التعديل فيما تضمنه من عقوبة الغرامة التي تبلغ خمسون ألف جنيها ذلك أنه قد يكون السبب الرئيسي الذي دفع الشخص للشروع في الانتحار هو العامل الاقتصادي وضيق ذات اليد والعجز عن الوفاء بمتطلبات المعيشة لأسرته فكيف لمن شرع في الانتحار لهذا السبب أن نلزمه بغرامة مالية مبالغ فيها وهو معدم بل إن القول بتغريمه هذا المبلغ إن فشل في الانتحار ربما يجعله أكثر حرصا على اتمام انتحاره هربا من الغرامة.

 

كما أن معاقبة من شرع في الانتحار بأية عقوبات ربما تدفعه من جهة أخرى إلى ارتكاب الجرائم المعاقب عليها بالإعدام حتى تعدمه الدولة بنفسها ويكون قد مات نفاذا لحكم إعدام وحقق غايته وهي الموت فمن هانت عليه حياته هان عليه كل شيء وأخيرا أقترح أن تنشئ الجهة المعالجة لمن شرع في الانتحار لجنة من الخبراء النفسيين والاجتماعيين والاقتصاديين والجنائيين لمناقشة دوافع وأسباب إقدام الشخص على الانتحار وإعداد دراسات وتقارير بشأنها لإمكان معالجتها بمعرفة الجهات المعنية بإصلاح المشكلات الاجتماعية.       

مستشار دكتور : حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٤٥ ص - مستشار دكتور حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو
سبتمبر ١٠, ٢٠٢١, ١٠:٠٢ م - amr
يناير ٣١, ٢٠٢١, ٢:١٠ ص - Hebatalrahman Hebatalrahman