الإبصار

من هو ابن الهيثم؟             

صاغ العلماء العرب -في علوم الهندسة الرياضية Geometry والمناظر Dioptrics- نظرية معرفِية جمالية Aesthetics Epistemology، ويعتبر العالم الرياضي أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم (354-430ﻫ/965- 1038م) من فقهاء الهندسة، الذين قعَّدوا علم هندسة الأشكال، ومن أهم مؤلفاته العلمية، كتب ورسائل ومقالات في: ضوء القمر، وأضواء الكواكب، وصور الكسوف، وتشريح العين، والمرايا المحرقة بالقطوع، والمرايا المحرقة بالدوائر، والكرة المحرقة، والفضل والفاضل، وهيئة العالم، والمناظر.         

صفة ابن الهيثم  

يصف أبو العباس أحمــد بن القاســـم ابن أبي أصيبعـــة (600ﻫ/1203م-668ﻫ/1269م) ابن الهيثم، قائلاً: "كان فاضل النفس، قوي الذكاء، متفنناً في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم الرياضي، ولا يقرب منه، وكان دائم الاشتغال، كثير التصنيف، وافر التزهد، محباً للخير، وتصانيفه كثيرة الإفادة، وكان حسن الخط، جيد المعرفة بالعربية"، ومما يؤثر عن ابن الهيثم، أَنَّهُ قال: "اشتهيت إيثار الحق وطلب العلم، واستقر عندي أنه ليس ينال الناس من الدنيا أجود ولا أشد قربَة إلى الله من هذين الأمرين، فرأيت أنني لا أصل إلى الحق إلا من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية، وصورتها العقلية".   

رؤية ابن الهيثم                

لقد دحض ابن الهيثم الرؤية اليونانية في نظرية الانبعاثات، التي أيدها إقليدس Euclid وبطليموس Batlimus، وهي تقول أن الإبصار يتم اعتماداً على أشعة الضوء المنبعثة من العين، كما أبطل نظرية الولوج، التي أيدها أرسطو طاليس Aristotle، وهي تقول أن الإبصار يتم من خلال دخول الضوء إلى العين بصور فيزيائية، وأثبت ابن الهيثم أن الإبصار يتم بانبعاث أشعة الضوء نحو العين من كل نقطة من الجسم المرئِي.           

المناظر                   

يعتبر المؤلَّف الموسوعي: كتاب المناظر -والذي يحتوي على سبع مقالات في الضوء والإبصار- من أهم ما صنف ابن الهيثم، وقد ترجم هذا السِّفْر القيم (في القرن السادس الهجري/ القرن الثاني عشر الميلادي) إلى اللغة اللاتينية، وعندما نقوم بإنعام النظر في مؤلَّفات ابن الهيثم نرى منهجه الإصلاحي التجريبي الاستقرائي، الذي اعتمد على الفصل بين دراسة انتشار الضوء ودراسة رؤية الأجسام.

شروط الرؤية      

في الفصلين الثاني والثالث من كتاب المناظر يذكر ابن الهيثم ضوابط نظرية علم المناظر، ويحصرها في ستة شروط للرؤية، لا يتم الإبصار إلا باجتماعها:       

  • يجب أن يكون (المبصَر أو الجسم المرئي) مضيئاً بذاته. 
  • يمكن أن يكون مضاءً بإشراق مصدر ضوئي من غيره عليه. 
  • يجب أن يكون مواجهاً للعين، بحيث نصل كل نقطة منه بالعين بواسطة خط مستقيم.
  • يجب أن يكون الوسط الفاصل بينه وبين العين شفيفا.  
  • يجب أَن يكون أكثر كمدة من هذا الوسط.  
  • يجب أن يكون ذا حجم وكثافة مناسبين يسمحان للعين بإبصاره.

انعكاس الضوء

عالج ابن الهيثم في المقالات: الرابعة والخامسة والسادسة علم انعكاس الضوء، كما خصص مقالات أخرى مكملة لها مثل مقالة المرايا المحرقة، وهنا يضع ابن الهيثم القانون ويدرسه في مختلف المرايا: المستوية والكروية والأسطوانية والمخروطية، ويحدد مستوى المماس على سطح المرآة، كما يحدد مستوى التعامد، الذي يحتوي على الشعاع الساقط والشعاع المنعكس والناظم، وقد صنع آلة فريدة أطلق عليها اسم: (آلة الانعكاس)، وطرح مسألة عرفت باسمه: مسألة الحسن AL-Hazen's Problem، وفحوى هذه المسألة؛ أنه ثمة مرآة أمامها نقطتان، يراد تحديد نقطة ما على سطح المرآة، بحيث أن المستقيمين اللذين يصلان بين نقطة المرآة والنقطتين اللتين أمامها، يحدد أحدهما اتجاه الشعاع الساقط، ويقوم الآخر بتحديد اتجاه الشعاع المنعكس، وحلول هذه المسألة متنوعة، وقد نجح ابن الهيثم في حلها.  

انكسار الضوء

خصص ابن الهيثم المقالة الأخيرة من كتاب المناظر -وهي المقالة السابعة- لدراسة الانكسار، وقد أدخل في هذه المقالة عناصر فيزيائية ميكانيكية لتفسير عملية الانكسار كما فعل في دراسة الانعكاس، ثم يختم هذه المقالة برسائل، مثل: الكرة المحرقة، ومقالة في الضوء، متطرقاً لمفهوم الوسط، واستند ابن الهيثم إلى قانونين نوعيين للانكسار، وإلى قوانين كمية عديدة، اختبرها كلها بواسطة آلة صنعها كما فعل في دراسة الانعكاس، ينص القانون النوعي الأول على أن الشعاع الساقط، والشعاع المنكسر، والناظم في نقطة الانكسار، تقع جميعها في المستوى نفسه، ويقترب الشعاع المنكسر من الناظم إذا نفذ الضوء من وسط أقل كمدة إلى وسط أكثر كمدة، بينما يبتعد الشعاع المنكسر عن الناظم إذا نفذ الضوء من وسط أكثر كمدة إلى وسط أقل كمدة، وينص القانون النوعي الثاني على مبدأ رجوع الضوء العكسي (العودة المتطابقة).  

الجمال   

تناول ابن الهيثم الجمال في المرئيات، وقام بتحليله واستفاض في ذلك، فبدا واضحاً للعيان فهمه العميق لمسائل التناسب والشكل والحجم، وجاء هذا في كتابه المناظر، وكتابه ثمرة الحكمة، وخلاصة رأي ابن الهيثم في هذه المسألة، أن الأجسام المرئية فيها معان جزئية، كل جسم منها يفعل الحسن، ويجعل الشيء حسناً، سواء كان منفرداً أو مقترناً بغيره من الأجسام، في تناسب معين، وأن إدراك الحسن أو استحسان الصورة المستحسنة هو أمر يؤثر في النفس، وتطرق ابن الهيثم إلى شرح المعاني الجزئية الكثيرة بالتفصيل، مثل: اللون، والضوء، والبعد، والوضع، والشكل، والحجم، والحركة، والتماثل، والتناسب، والائتلاف، بذلك يجمع الإبصار في التراث العربي بين التجربة والملاحظة والحدس.    

المراجع                                                                        

  • الحسن بن الهيثم ومآثره العلمية، أحمد فؤاد باشا، كتاب المجلة العربية 218، العدد 457، المملكة العربية السعودية، 2015.
  • موسوعة تاريخ العلوم العربية، رشدي راشد، ريجيس مورلون، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2005.  

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٤٥ ص - مستشار دكتور حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو
سبتمبر ١٠, ٢٠٢١, ١٠:٠٢ م - amr
يناير ٣١, ٢٠٢١, ٢:١٠ ص - Hebatalrahman Hebatalrahman
About Author