الإدراك القلبي

القلب لغة           

جاء في معجم لسان العرب لابن منظور، أن القلب هو الفؤاد، فالقلب رقيق والفؤاد لين، والقلب أخص من الفؤاد في الاستعمال، والجمع أقلب وقلوب، ويعبر بالقلب عن العقل أحياناً، ويجوز في العربية الفصحى أن نقول: ما لك قلب، أو ما قلبك معك، أو ما عقلك معك، ويجوز أن نقول: أين ذهب قلبك؟، أي: أين ذهب عقلك؟، ويقال: أصبت حبة قلبه، أو أصبت سويداء قلبه، وقد سمي القلب قلباً لكثرة تقلبه.  

القلب اصطلاحاً        

القلب هو عضو عضلي مجوف في الجسم، عبارة عن عضلة واحدة، لكنها من أعقد العضلات، عملاً وبناءً وأداءً، شكله مخروطي أو صنوبري، يرقد على جانبه، بحيث تتجه قاعدته، إلى ثلاث بوصات ونصف بوصة، ويبلغ طوله خمس بوصات، من القاعدة إلى قمة المخروط، ويكون سمكه بوصتين ونصف بوصة، يوجد القلب داخل غلاف التامور، ويفصل من نهايته العليا بالشرايين الكبرى، وهو آلة خارقة، لا تعرف التعب، ومضخة مزدوجة عجيبة، تعمل على مد كل نسيج وخلية وجهاز وعضو في الجسم، بالأكسجين والوقود والغذاء، وذلك عن طريق شبكة من الأوعية، يزيد طولها عن مائة وخمسين كيلو متر.     

عمل القلب      

يقول العلماء أن القلب يتكون من حجرتين للاستقبال، وحجرتين للدفع، وينقبض البطينان معاً، فالدم الذي يدخل من الأذنين إلى البطينين، تمنعه الصمامات من العودة، ومن ثم تضطره انقباضات القلب، إلى أن يدخل الشريان الأبهر (الأورطي)، وبالتالي من مجرى الدم إلى الجسم، ويدخل الدم من الأوردة الكبيرة، إلى الأذينين في أثناء فترة الانبساط، حين تستريح العضلات من الانقباض، وعندئذ تنقبض عضلات الأذينين، فتقفل الصمامات نتيجة ضغط الدم، ويمر الدم من البطينين إلى الشريانين، وبعدها يقفل الصمام الهلالي، بين البطينين والشريانين، ليمنع الدم من الرجوع إلى البطينين، وبعدئذ ترتخي العضلات البطينية، إلى أن تنفتح مرة ثانية، تحت تأثير ضغط الدم المندفع من الأذينين، ليدخل الدم إلى البطينين، وتستغرق كل دورة أربعة أخماس الثانية، ويبلغ حجم قلب الإنسان حجم قبضة يده تقريباً، ويزن قلب الوليد حوالي 20 جراماً، بينما يبلغ وزن قلب الإنسان البالغ، ما بين 250 و300 جرام، ويسمى القلب والتشكيلات الأنبوبية الأخرى، مثل الشرايين والأوردة والشعيرات بـ(الجهاز الدوري) أو (الجهاز القلبي الوعائي).

دقات القلب        

ينظم الجهاز العصبي التلقائي -وهو جزء من الجهاز العصبي- نبضات القلب، فيقوم بتقليلها أو زيادتها، حسب حاجة الجسم، لذلك فإن القلب يدق بصورة هادئة عندما يكون الإنسان نائماً، عندها يزود الدم الجسم بكمية قليلة من الأكسجين، بينما تزداد سرعة ضربات القلب، لتزيد كمية مردود الأكسجين للجسم، عندما يصاب الإنسان بالخوف، أو عندما يمارس التمارين الرياضية، أو عندما يكون في حالة ركض أو عراك، وينقبض القلب وينبسط ثمانين مرة في الدقيقة، وقد يصل النبض في الجهد الطارئ إلى مائة وثمانين مرة، ويضخ القلب ثمانية آلاف لتر في اليوم الواحد، أي: ما يعادل ثمانية أمتار مكعبة من الدم، بينما يضخ طول حياة الإنسان ما يكفي لملء مستودع، يبلغ حجمه إحدى أكبر ناطحات السحاب في العالم، وتبدأ دقات القلب بالعمل، قبل سبعة أشهر من ميلاد الطفل، ومن أعجب ما فيه دساماته (الصمامات التي تفصل بين الأذينين والبطينين)، والتي تسمح للدم بالمرور باتجاه واحد، وهو مبدأ ثابت في المضخات، وعندما يتوقف القلب تتوقف الحياة، ويصبح الإنسان جثة هامدة، كأنها قائمة النخلة، إذا خرت بلا أغصان، وقد ورد ذكر القلب في الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله ﷺ: "أَلاَ وإِنَّ فِي الجسَدِ مُضغَةً إِذَا صلَحَت صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسدَ الجَسَدُ كُلُّهُ: أَلاَ وَهِي القَلْبُ" [متفق عليه]، وقال الشاعر أحمد شوقي رحمه الله:     

                             دقـــات قلب المــــرء قائــلة له   إن الحيـــاة دقائق وثواني

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها   فالذكر للإنسان عمر ثاني

فضيلة القلب

يعتبر القلب مركزاً للعقل والتعقل، وليس مجرد عضلة أو مضخة، حيث أنه يحتوي على هرمونات عاقلة، تقوم بإرسال رسائل عاقلة إلى الجسم كله، يقول الطبيب والباحث الأمريكي دين أورنيشDean Ornish : "أعتقد أن العقل هو المكان الذي تبدأ فيه أمراض القلب، عند الكثير من الناس"، لذا هو ينصح مرضى القلب المصابين بتجلطات في الشرايين، بتغيير نمط حياتهم جذرياً، وإعادة تشكيل علاقاتهم وسلوكهم، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية، واتباع العادات الصحية السليمة، ويقول العالم والباحث الأمريكي ردفورد ويليامز Redford Williams: "إذا أراد الإنسان أن يتجنب مشكلات القلب، عليه أن يغير أيضاً من عقله، وهذا التغيير صعب للغاية، فالاتجاهات الارتيابية والانفعالات العدائية، يمكن أن تسبب استجابات بيولوجية، قد تؤدي إلى أمراض الشريان التاجي"، وذكر الحكماء في مصنفاتهم بأن القلب يمثل مركز القوة الغضبية، وفضيلتها الشجاعة، ومن المعروف أن لفظ القلب يطلق على الشعور بالرحمة، أو المحبة، أو الحنان، أو العطف، وغيرها من الأحاسيس الوجدانية، عندها يدل اللفظ على معنى يقابل معنى العقل، وللفظ القلب عند الحكماء معان أخرى، فهم يطلقونه على الروح، أو النفس، أو اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب الجسماني، ويعتبرونها حقيقة الإنسان، ويحلو لهم تسميتها بالعقل أو النفس الناطقة.      

وظيفة القلب          

تكمن وظيفة القلب عند الحكماء في إدراك الحقائق العقلية، بواسطة الإلهام والحدس، لا عن طريق الاستدلال والقياس، وقد كان العالم المسلم أبو حامد الغزالي رحمه الله، أبرز الذين تحدثوا عن وظيفة القلب في المعرفة والإدراك، حيث سبق العالم الفرنسي بليز باسكال  Blaise Pascalإلى القول بأن معرفة الحقيقة تكون بالقلب، لا بالاستدلال العقلي، فالقلب لا يقتصر على إدراك المشاعر فقط، بل له دور جوهري في معرفة الحقائق أيضاً، حيث أن معرفة العديد من مبادئ الحياة، تكون بالإدراك القلبي لا بالقياس العقلي.    

المراجع                     

  • الموسوعة العلمية الشاملة، أحمد شفيق الخطيب، يوسف سليمان خير الله، مكتبة لبنان ناشرون، لبنان، 1998.     
  • الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٤٦ ص - Bassant
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٤٥ ص - مستشار دكتور حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو
About Author