ازدادت معدلات التحرش الجنسي بالأطفال في الآونة الأخيرة وباعتبارها جريمة شنيعة بحدها الأقصى فإن مرتكبها يستحق أن يُنزل بحقه أسوأ العقوبات الرادعة وأشدها، وأن يؤخذ بعين الاعتبار أن يكون المعاقَب عبرةً لكل من يقبل على مثل هذه الأفعال فلا يجوز التهاون في عقابه أو تخفيفه.
تمنيت لو كان بالإمكان إيجاد طريقة لاجتثاث تلك الوقائع من جذورها فلا تطرأ ولا تقع أبدا ولكن هيهات أن يخلو هذا الكون من رعاع البشر ومرضى القلوب، ولذا عليك أن تحمي طفلك وتحصّن أفكاره بالدرجة الأولى بأن تصنع وعيه لكل محتمل قد يواجهه حتى ولو كنت تستبعد حدوث الأمر فمن المؤسف أن أخبرك أنه ليس بالبعيد وأن نسبة الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي ولا يزالون يتعرضون له كبيرة جدًا وهي بازدياد، ومنهم من يتكتم على ذلك فلا يخبر به أحد، فهل ينسى الطفل تجربة الأذى الجنسي التي تعرض لها؟
لا ينسى الطفل تعرضه للتحرش الجنسي أبدًا بل وهو خطر حقيقي يهدده على المدى الطويل ويجعله منحدر في كثير من جوانب حياته سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي وغيرهما وقد تزداد الآثار النفسية السلبية كلما تقدم بالعمر وبقيت الذكرى المرتبطة بذلك الحدث حيّة في ذاكرته، فقد يصل به الأمر للانطواء والانعزال وفقدان الثقة على وجهها الأكمل في أي شخص وكره نفسه والخجل من جسده وعدم تقدير ذاته أو التفاعل الاجتماعي الإيجابي مما قد يؤدي إلى اضطراب الجانب الأكاديمي من جهة واضطراب الحالة النفسية من جهة أخرى وقد يصاب ببعض الاضطرابات النفسية على إثر التطور بحالته من مثل الرهاب الاجتماعي والقلق الدائم والأرق والاكتئاب والفوبيا من ممارسة الجنس مستقبلًا، كما وتزداد احتمالية إدمانه على الكحول والمخدرات وقد يصل الأمر إلى الانتحار بسبب الضغط النفسي الذي تواجهه الضحية.
تُرى لماذا قد يتمنع بعض الأطفال من البوح بتعرضهم للتحرش الجنسي ويلجأون لإخفاء ذلك أحيانًا؟
من المؤسف القول أن للوالدين دور كبير في ذلك فقلة مشاركتهم الفعالة وحضورهم الحقيقي في حياة الطفل وعدم وعيهم بأساليب التربية الصحيحة يجعلهم شركاء في أذية أطفالهم. كيف ذلك؟
مازال الكثير من الآباء يستخدمون التعنيف والحزم الشديد كطرق لتربية أطفالهم زاعمين أن ذلك هو الأساس لبناء شخصية الطفل والمحافظة عليه وهم لا يعملون أنهم بما يفعلون لا يخلقون لطفلهم إلا الخوف وضعف الشخصية والشعور بعدم الأمان الدائم حتى مع والديه، فيصبح الوالدين بالنسبة إليه أحد جوانب الخوف والأذى نفسيُّا وربما جسديًّا.
إن عدم التأسيس لقاعدة حوارية تفاعلية بين الولد والوالد يعبّر فيها الابن عن نفسه بحرية دون خوف ويصرّح بأفكاره ويخبر بأحداث يومه يجعله يخسر الكثير ومن هنا ينشأ مبدأ الكتمان عند الطفل، فلو كان أبواه أحد جوانب الخوف بالنسبة إليه فلماذا قد يلجأ إليهما في مثل هذه الحال؟ بالتأكيد كل ما سيخطر له حينها صراخهم ونهرهم وربما ضربهم له، وهذا يتيح فرصة أكبر لمن انتهك حرمة جسد ذلك الطفل بأن يستمر بانتهاكه دون خوف وبهذا يكون الأبوين عنصر مشارك بأذية طفليهما من غير وعي.
هل ينحصر التحرش الجنسي بالأطفال بمباشرة أجسادهم فقط؟
التحرش الجنسي مفهوم أوسع وأشمل من ذلك فهو يبدأ من التليمحات الجنسية للطفل سواء بالكلام أو النظر أو اللمس مرورًا بجعله ينظر إلى عمليات جنسية أو صور خليعة أو مواقع إباحية أو ممارسة أي نوع من النشاطات الجنسية أمامه وصولًا إلى إقناعه أو إجباره على المشاركة في ذلك بخلع ملابسه والعبث بجسده وقد تتم ممارسة عملية جنسية بالكامل مع الطفل وهو ما يسمى بالاغتصاب مما قد يعرض بعضهم لخطر الموت المباشر ويترك بعضهم الآخر في حالة تشوهات نفسية مدى حياته.
كيف تستطيع أن تحمي طفلك من تعرضه للأذى الجنسي على يد أحد الذئاب البشرية؟
ليس شرطًا أن يحصل التحرش بالطفل في مكان معزول أو مهجور بل إنه من المريب حقًّا أن تثبت أواخر الدراسات أن نسبة الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي من أشخاص يعرفونهم وقد يكونون من أقربائهم تصل إلى 93% وأن أكثر حالات التحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال تحصل في منازلهم وفي أماكن يرتادونها بوعيٍ ومعرفةٍ من الأهل مستبعدين بذلك أن يتعرض الطفل لأي نوع من الأذى بها.
عليك أن تغتنم أقرب فرصة لتوعية طفلك مبكرًا (سواء ذكر أو أنثى فكلاهما معرضان لذلك) بالثقافة الجنسية بما يتناسب مع عمره، يجب أن تخبره بأن جسده ملكه ولا يحق لأي أحد أن يلمس بعض أجزائه مثل الأعضاء التناسلية تحت أي ظرف كان، عليك أن تعلمه أن يقول لا! وأن يبتعد فورًا عن أي شخص بادر بإظهار حركة غير مرحب بها مثل المبالغة بالتقبيل أو الحضن أو اللمس أو غيرها.
ثم عليك أن تخبره بأن يصرخ ويطلب المساعدة أو يهرب في حال شعر ببوادر واضحة للاعتداء أو التحرش الجنسي به، أخبره أنك بالجوار واجعله دائما يشعر أنك مصدر أمانه وملجأه، عوّده على أن يخبرك بأحداث يومه واستمع إليه وتفاعل معه واجعل لنفسك دورًا حاضرًا في حياته.
You must be logged in to post a comment.