كما هو الحال في العديد من مناحي علم النفس، لا ينقطع الأمل أبداً، إذ قدم العديد من أنصار "التعلم بمساعدة النوم" الكثير من الادعاءات القوية بشأن قوة هذه التقنية.
يقدم أحد المواقع الالكترونية مجموعة من الأسطوانات التي من المفترض أن تساعدنا على تعلم اللغات، والإقلاع عن التدخين، وإنقاص الوزن، والتقليل من التوتر، او الارتقاء بحياتنا العاطفية، كل ذلك ونحن ننعم بالنوم العميق. ويتمادى القائمون على الموقع في ادعاءاتهم قائلين إن هذه الأسطوانات تعمل بصورة أفضل حينما يكون الفرد نائماً عنها حينما يكون مستيقظاً. ويعرض موقع أمازون Amazon مجموعة من المنتجات التي تساعدنا على التعلم أثناء النوم، منها أسطوانات لتعلم اللغات الإسبانية، والرومانية، واليابانية، والصينية، عن طريق تشغيل رسائل لاشعورية موجهة إلينا أثناء استغراقنا في النوم. لذا قد لا نندهش حينما نعرف أن أحد استطلاعات الرأي أظهر أن 68% من طلاب المرحلة الجامعية يعتقدون أن بإمكاننا أن نتعلم أشياء جديدة أثناء النوم.
تعتبر ظاهرة التعلم أثناء النوم من الأفكار الثابتة التي تعرضها العديد من الكتب، والبرامج التليفزيونية، والأفلام الشهيرة. في روايته المبتكرة والمرعبة "البرتقالة الآلية" (1962) - والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم من إخراج ستانلي كوبريك حصل على العديد من الجوائز - يعرض أنتوني بيرجس لهذه الفكرة عن طريق محاولات المسؤولين الحكوميين الفاشلة استخدام تقنيات التعلم أثناء النوم لتحويل أليكس، الشخصية الرئيسية في الرواية، من شخصية كلاسيكية مضطربة نفسياً إلى عضو محترم في المجتمع.
وفي إحدى حلقات المسلسل التليفيزيوني "الأصدقاء" حاول تشاندلر بينج (الذي لعب دوره ماثيو بيري) أن يقلع عن التدخين عن طريق تشغيل شريط تسجيل أثناء النوم يحتوي على إيحاءات للإقلاع عن التدخين، ولكنه لم يكن يعلم أن الشريط كان يتضمن هذا الإيحاء : "أنتِ امرأة قوية وواثقة بنفسك" مما جعله يتصرف في حياته اليومية بطريقة فيها أنوثة.
ولكن هل المفهوم الشائع عن التعلم خلال النوم يرقى إلى الادعاءات المبهرة التي يقدمها أنصاره؟ أحد الأسباب التي تقف وراء الشعور المبدئي بالتفاؤل بتقنية التعلم خلال النوم هي نتائج الأبحاث التي أظهرت أن الناس بإمكانهم أن يدمجوا المؤثرات الخارجية في أحلامهم. الأبحاث التقليدية التي أجراها ويليام ديمنت وإدوارد وولبيرت (1958) بينت أن تعريض الأشخاص الذين خضعوا لهذه الأبحاث إلى مثيرات خارجية - مثل رشهم بالمياه عن طريق حقنة بلاستيكية - وهم يحلمون دفعهم إلى تضمين هذه المثيرات في أحلامهم. رش ديمن وولبيرت واحداً خضع لهذه الأبحاث بالمياه وهو نائم، وحينما أيقظوه بعدها بقليل حكى لهما أنه رأى في منامه المياه تتساقط من شرخ بأحد الأسقف.
وأظهرت الأبحاث التي أجريت فيما بعد أن الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسات ضمنوا المثيرات الخارجية - مثل الأجراس والأضواء الحمراء والأصوات - في أحلامهم بنسبة تبدأ من 10% وتصل إلى 50%. ولكن هذه الدراسات لا تدلل على ظاهرة التعلم خلال النوم، لأنها لم تظهر أن الأشخاص بإمكانهم أن يدمجوا المعلومات الجديدة المعقدة - مثل الصيغ الرياضية أو الكلمات الجديدة في اللغات الأجنبية - في أحلامهم، ولم تثبت أيضاً أن هؤلاء الأشخاص بإمكانهم أن يستدعوا إلى حياتهم اليومية المثيرات الخارجية التي تعرضوا لها إذا لم يوقظوا من أحلامهم.
ولكي يتحقق الباحثون من الادعاءات المتعلقة بالتعلم أثناء النوم، لا بد أن يعرضوا مجموعة من المشاركين لسماع مثيرات مسجلة على شرائط - على سبيل المثال كلمات من لغة أجنبية - أثناء النوم، ويعرضوا مجموعة أخرى لسماع شريط يحتوي على مثيرات ليس لها صلة بالمثيرات الأولى، ثم بعد ذلك يختبر الباحثون معرفة المجوعتين بهذه المثيرات عن طريق اختبار معياري. من المثير للاهتمام أن النتائج التي توصلت إليها بعض الدراسات الأولى التي أجريت على التعلم أثناء النوم كانت مشجعة. ففي دراسة شملت مجموعة من البحارة عرض الباحثون بعضاً منهم أثناء النوم لشرائط عن شيفرة مورس (طريقة اتصال مختزلة يستخدمها عمال اللاسلكي في بعض الأحيان) واستطاع هؤلاء البحارة أن يتقنوا شيفرة مورس في ثلاثة أسابيع أكثر من غيرهم.
وأيدت دراسات أخرى أجريت في الاتحاد السوفييتي سابقاً الادعاء القائل إن بإمكان الأشخاص أن يتعلموا أشياء جديدة، مثل الكلمات والجمل، عن طريق الاستماع إلى شرائط مسجلة أثناء النوم.
ولكن هناك تفسيراً آخر بديلاً أغفلته هذه التصريحات الإيجابية : أن تكون التسجيلات قد أيقظت الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسات! تكمن المشكلة في أن كل الدراسات التي توصلت إلى نتائج إيجابية تقريباً لم تراقب موجات المخ للتأكد من أن الأشخاص الذين أجريت عليهم التجربة كانوا نائمين بالفعل وقت الاستماع للشرائط. أما الدراسات التي حظيت بدرجة أعلى من التقنين - إذ راقب القائمون عليها موجات المخ ليتأكدوا من أن من خضعوا للتجربة كانوا نائمين بالفعل - فقد قدم بعضها أسانيد علمية ضعيفة لهذه التقنية والبعض الآخر لم يقدم أي دلائل على ذلك. لذا فدرجة نجاح شرائط التعلم خلال النوم ترجع غالباً إلى أن من خضعوا للتجارب التي استخدمت هذه التقنية قد استمعوا مقتطفات من هذه الشرائط وهم يتأرجحون بين اليقظة والمنام.
الاستماع إلى هذه الشرائط في اليقظة التامة ليس خطوة أكثر كفاءة فقط، بل أكثر فعالية أيضاً، وإذا كنت تريد حلاً سريعاً لتعلم لغة جديدة أو تقليل التوتر، فنحن ننصحك بأن توفر ما تنفقه على شراء هذه الشرائط وتستمتع بنوم هانئ أثناء الليل!
You must be logged in to post a comment.