الدورة الدموية الصغرى

من هو ابن النفيس؟             

كان علاء الدين، علي بن أبي حزم القَرْشي (607-687هـ/1213-1288م)، فقهياً شافعياً وطبيباً حاذقاً، يكنى بأبي الحسن، ويعرف بـ(ابن النفيس)، أما تسميته بـ(القَرْشي)، بفتح القاف وسكون الراء، نسبة إلى قَرْش من بلاد ما وراء النهر، ولد في دمشق، وتوفي في القاهرة، درس الطب على مشاهيره، منهم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد، الشهير بـ(الدخوار)، مارس الطب في داره، التي أثثها لاستقبال المرضى، ودرس آراء جالينوس، وابن سينا، دراسة معمقة، فأظهر آراء مخالفة لآرائهما، عمل في البيمارَستان الناصري، والبيمارَستان المنصوري في القاهرة، ولأنه لم يتزوج، فقد أوصى بمصنفاته، وثروته وأملاكه العديدة، إلى البيمارَستان المنصوري.       

المنهجية       

اهتم ابن النفيس بتشريح القلب والحنجرة، وكتب بحوثاً حول النبض والتنفس، كما كانت له بحوث في أمراض العين، تختص بتشريحها، وإبصارها، وأسباب أمراضها، وقواعد صناعة الكحل لمداواتها، كما  اهتم بعلوم أخرى غير الطب، كالفقه، والحديث، واللغة، والمنطق، والفلسفة، ودرس أعمال من سبقه من العلماء والأطباء، واهتم بالظواهر والعوامل المؤثرة، في جسم الإنسان، أكثر من اهتمامه بالطب العلاجي، وكانت طريقته في التصنيف، تعتمد على الحفظ، والمشاهدة، والاستنباط، حيث وظف كل ذلك في تجاربه، فسجل إنجازات علمية مميزة، لذلك يمكننا اعتباره عالماً محققاً رائداً، في علم وظائف الأعضاء.   

أبقراط     

بدأ اهتمام العلماء بالدم، منذ عهد الطبيب الإغريقي أبقراط Hippocrates، الذي عاش خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وكان أبقراط قد افترض أن كل الأمراض، تنجم من اضطراب التوارن، لأربع أخلاط (سوائل) في الجسم، وهي: المرة ذات اللون الأسود، والدم، والبلغم، والصفراء، وقادت هذه النظرية لتطبيق الفصادة (الحجامة)، عبر سحب الدم من وريد الشخص المريض، لكي يذهب الداء مع الدم، لقد كانت الفصادة لعدة قرون، المعيار الطبي الوحيد للعلاج، وكان الحلاقون يقومون بهذا الإجراء، خلال العصور الوسطى، وفي نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر، وصف بعض الأطباء الفصادة، بأنها سبب من أسباب الوفاة عند بعض المرضى، بسبب فرط فقد الدم.

هارفي        

اكتشف الطبيب الإنجليزي وليم هارفي William Harvey (1578-1657م)، الدورة الدموية الكبرى، في الجسم البشري، وأصبح اكتشافه هذا أسهاماً مهماً، في تاريخ علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا)، وقد ظهر ذلك في كتابه: (رسالة تشريحية عن حركة القلب والدم في الحيوانات)، في عام 1628، حيث أوضح هارفي أن القلب، بالتقلص المتكرر، ينتج دفقاً مستمراً من الدم، الذي يدور عبر الجسم، ويعود إلى مصدره، ولقد هوجمت نظريته، من أتباع الطبيب الإغريقي جالينوس Galen، التي استندت إلى التجارب والملاحظات المباشرة، وكان الطبيب العربي المسلم ابن النفيس، قد مهد لهذا الاكتشاف، من خلال اكتشافه الدورة الدموية الصغرى (الجزئية)، في القرن الثاني عشر الميلادي، حين قال: "إن الدم ينقى في الرئتين"، وذلك قبل الطبيب الأسباني ميغيل سيرفيت Michael Servetus بثلاثة قرون، ويظهر ذلك في كتابه الشهير (شرح تشريح القانون)، وأصبح هذا الاكتشاف هو الأساس، للاكتشافات اللاحقة عن وظائف الدم، التي استفاد منها هارفي، والجدير بالذكر أنه عندما وصف هارفي، الدورة الدموية، مدعمة بالبراهين، اعتقد العالم أنه أول من اكتشف هذا الأمر الخطير، لكن بعد العثور على مؤلف ابن النفيس، تبين للخافقين (أفق الشرق وأفق الغرب)، أن ما جاء فيه يؤكد أسبقيته، في هذا الاكتشاف بقرون عديدة.

الاكتشاف         

يعود شرف اكتشاف الدورة الدموية الصغرى إلى ابن النفيس، حيث كان أول من وصف مرور الدم، من الشريان الرئوي إلى القلب، كما كان أول من أشار إلى الحويصلات الرئوية، والشرايين التاجية، قال ابن النفيس في مصنفه (شرح تشريح القانون): "إن القلب له بطنان فقط، أحدهما مملوء من الدم، هو الأيمن، والآخر مملوء من الروح (الدم المنقى بعد مزجه بالهواء)، وهو الأيسر، ولا منفذ بين هذين البطنين البتة، والتشريح يكذب ما قالوه، والحاجز بين البطنين، أشد كثافة من غيره، فإن نفوذ الدم إلى البطن الأيسر، إنما هو من الرئة، بعد تسخنه وتصعده، من البطن الأيمن كما قررناه"، وقد عارضت بهذه المقولة، كل من سبقه من الأطباء، مثل أبقراط، الذي اعتقد أن الدم، يسير في الأوردة فقط، والهواء يسير في الشرايين، وجالينوس، الذي لم يزد كثيراً، على معلومات أبقراط، مع أنه أشار إلى عدم وجود منفذ، بين تجويفي القلب، مع ظنه أن الدم ينتقل، من التجويف الأيمن إلى الأيسر، عبر منافذ خفية، كما عارض ابن النفيس ابن سينا في موضوع غذاء القلب، قائلاً: "وجعله الدم الذي في البطن الأيمن، منه يتغذى القلب لا يصح البتة، فإن غذاء القلب، هو من الدم المنبث فيه، من العروق المثبتة في جرمه".

المصنفات      

لابن النفيس مصنفات كثيرة نذكر منها، (شرح قانون ابن سينا)، و(شرح تشريح القانون)، و(الموجز في الطب)، و(شرح تقدمة المعرفة لأبقراط)، و(شرح مسائل حنين بن إسحاق)، و(المهذب في الكحل المجرب)، و(المختار من الأغذية)، و(شرح فصول أبقراط في الطب)، و(الشامل في الطب)، و(بغية الطالبين وحجة المتطببين)، و(بغية الفطن في علم البدن)، و(شرح الهداية لابن سينا)، و(الرسالة الكاملية في السيرة النبوية)، و(فاضل بن ناطق).      

المراجع                                        

  • الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.   
  • موسوعة عباقرة الحضارة العلمية في الإسلام، أحمد محمد الشنواني، مكتبة دار الزمان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 2007.    

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٢, ٢٠٢٢, ٢:٤٥ ص - مستشار دكتور حسام عبد المجيد يوسف عبد المجيد جادو
سبتمبر ١٠, ٢٠٢١, ١٠:٠٢ م - amr
يناير ٣١, ٢٠٢١, ٢:١٠ ص - Hebatalrahman Hebatalrahman
About Author