الـحلية

الـحلية في اللغة    

الأصل اللغوي للفظة الـحلية هو الفعل الثلاثي الـمجرد (حلا)، وهو يستوعب معاني عديدة؛ مثل: الشكل والـهيئة والصفة والـخلقة والصورة، بذلك يتطابق السياق اللغوي والاصطلاحي لـهذه اللفظة معنوياً ودلالياً مشيراً إلى الـحسن والـجمال والزينة والزخرف، لتكون الـحلية اسماً لكل ما تتزين به الـمرأة من الـمجوهرات، بعد أن كانت لفظة الـحلية تطلق على ما يتزين من السيف، وكل ما يعتبر زينة لشيء أو إنسان، وقد قالت العرب: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن: الصوت الـحسن"، و"حلية الـمنطق: الصدق"، و"الـخط الـجميل: حلية الكاتب"، و"الفقر: حلية الأولياء"، كما أطلقت هذه اللفظة مصطلحاً على بعض أشكال وعناصر الزينة، مثل: (حلية الأحزاب) في الـمصحف الشريف، و(حلية الباب) في العمارة الإسلامية، لكن أهل البيان حددوا دلالة لفظة الـحلية على صورة الرجل وصفاً يميزه عن غيره من الرجال الذين قد يماثلونه في الاسم أو الصفة.        

الـحلية في الاصطلاح

هي اللوحة الـخطية الـمعبرة عن صورة رسول الله ﷺ، وصفاته النبوية وشمائله الشريفة، منقولة عن إحدى الروايات الـموثوقة في كتب السيرة النبوية الـمعتبرة، وتعد هذه الوثيقة الفنية الأهم والأبرز قيمة عند الـخطاطين العثمانيين بـخاصة، وقد أخذت اسمها من حلية رسول الله ﷺ، لذلك عرفت باسم: (الـحلية النبوية أو الـحلية الشريفة أو حلية السعادة)، وهي ابتكار عثماني في الفن الإسلامي بامتياز، ينسب فضل السبق الأول في ابتكارها إلى الـخطاط العثماني الـحافظ عثمان، الذي قيل بأنه أول من كتب لوحة الـحلية في أواخر القرن الـحادي عشر الهجري/السابع عشر الـميلادي، وجعلها لوحة تعلق على الـجدران.

مضمون الـحلية    

إن لوحة الـحلية ذات شكل فني خاص ومميز، ومضمون محدد بحديث معين من أحاديث الشمائل النبوية، وهو الـحديث الذي يرويه الـصحابيّ الـجليل والـخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه (23 ق ﻫ/600م-40ﻫ/661م) في وصف رسول الله ﷺ، ونصه:     

"عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان إذا وصف النبي ﷺ، قال: لم يكن بالطويل الـممغط، ولا بالقصير الـمتردد، كان ربعة من القوم، ولم يكن بالـجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعداً رجلاً، ولم يكن بالـمطهم، ولا بالـمكلثم، وكان في الوجه تدوير، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل الـمشاش والكتد، أجرد ذو مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى يتقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدراً، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله ﷺ".      

تصميم الـحلية

ويتألف التصميم الفني للوحة الـحلية من عناصر أصيلة مرتبة، هي:

  • الـمقام الأول: وهو عبارة عن قسم مستطيل يقع في أعلى اللوحة، مخصص لكتابة البسملة، وفي كثير من الأحيان تكتب هذه البسملة بخط الـمحقق، يعرف هذا القسم عنـد العثمانيين باسـم Başmakam، وفي هذا القسم يكتب بعض الـخطاطين الآية القرآنية الكريمة ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل:30].      
  • السرة: وتأخذ في الغالب شكلاً دائرياً أو بيضوياً، وأحياناً شكل الـمربع أو الـمستطيل، وهي تمثل الـمكان الـمركزي والـمهم من البنية الفنية الكلية للوحة، ويكتب في هذا القسم الجزء الأوّل والرئيس من حديث الشمائل النبوية. ويعرف هذا القسم باسم البطن Belly، ويطلق عليه العثمانيون اسم Göbek، كما يعرف هذا القسم أيضاً باسم: (الـجسم أو البدن أو الـجسد) Body، ويسميه العثمانيون Gövde.         
  • الـهلال: ويلتف عادة بأسفل الشكل الدائري أو البيضوي للسرة، وذلك بواسطة طرفيه الدقيقين، ليحتضنها في القسم العلوي، وقد يغيب الـهلال أحياناً عن اللوحة، أو يتلاشى داخل الدائرة أو البيضة، إذ أن وجود الـهلال ليس شرطاً إلزامياً من شروط التكوين الفني في بناء اللوحة، لأنه عنصر زخرفي تزييني ثانوي، وليس عنصراً رئيساً مخصصاً لكتابة النص، ويـحيط بالـهلال قسم مربع الشكل، قد يستطيل بشكل عمودي قليلاً، وهو أغنى الأقسام بالزينة والزخرفة، يقوم الـخطاطون بتوزيع الدوائر في أركانه، هذه الدوائر تحمل إما: (أسماء رسول الله ﷺ أو أسماء الـخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم أو أسماء العشرة الـمبشرين بالـجنة رضي الله عنهم). 
  • الآية القرآنية الكريمة: ويأخذ شكل الـمستطيل، أحياناً يقصر ليصبح مربعاً، وهو الـمقام الثاني الذي يتناظر مع الـمقام الأول في شاكلة الـحرف ونوع الـخط، ويتكامل معه في احتوائه على النص، وفي نوع الـخط الـمكتوب به، ويعرف هذا القسم باسم الـحزام Belt، ويسميه العثمانيون Kuşak، وأكثر ما يرد في هذا القسم الآية القرآنية الكريمة ﴿وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِّلعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، والآية القرآنية الكريمة ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4].         
  • الذيل: ويأخذ شكل الـمستطيل، وأحياناً يكون قريباً من شكل الـمربع، وهو يقع في أسفل اللوحة، ويطلق العثمانيون على هذا القسم اسم Etek، وهو يحتوي على تكملة نص الـحلية، إضافة إلى الصلاة والتسليم على رسول الله ﷺ وآله الطيبين الطاهرين، لذلك يعرف هذا القسم باسم: (قسم الدعاء)، وفي آخر سطر يضع الـخطاط اسمه وتوقيعه وتاريخ انتهائه من العمل الفني، ويظهر توقيع الـخطاط –غالباً- بشكل أفقي، ويأتي أحياناً بصورة مائلة. 
  • الكرسيان: وهما قسمان صغيرا الـمساحة، غنيان بالزخرفة والزينة، يتواجدان على جانبي قسم الذيل، يأخذان شكل الـمستطيل، يعرف هذا القسم أيضاً باسم: (الإبط). ويطلق العثمانيون عليه اسم Koltuklar.
  • الإطاران: الأول داخلي Inner Frame، والآخر خارجي Outer Frame، ويطلق العثمـانيون على الإطار الداخلي اسم İç Pervaz، أما الإطار الـخارجِي فيعرف عندهم باسم Dış Pervaz؛ ويختلف سمك هذين الإطارين من لوحة إلى أخرى على حسب حجم اللوحة ومساحتها، وهما مزينان بالزخارف الفنية.

فنون الـحلية  

إن أنواع الـخط التي استخدمها الـخطاطون بشكل عام وشبه محدد في كتابات لوحة الـحلية، هي: الثلث والنسخ والـمحقق والرقاع والتعليق، أما عن زخرفة اللوحة وتذهيبها، فقد قام الفنانون العثمانيون بابتكار أساليب زخرفية بديعة ومتميزة، مثل: (الـهلكار)، وتعني: الإزاحة، ويقوم الـمزخرفون والـمذهبون من خلال هذا الأسلوب بطلاء الأماكن الـموجودة في ما بين الوحدات الزخرفية بالذهب بشكل متدرج، من اللون الكثيف إلى أن يتلاشى تقريباً، مع طلاء أطراف الوحدات الزخرفية بالذهب الـمعتم أو اللون الأسود، ويضع الفنانون كثيراً في أعلى لوحاتـهم شكلاً هندسياً نجمياً يعرف بنقش الـخاتم أو خاتم سليمان، وهو يرمز إلى اليمن والبركة، وتتوزع فنون الـخط والزخرفة والتذهيب مكانياً على عناصر اللوحة ومكوناتـها، حيث يشغل فن الـخط الـمقامين الأول والثاني والسرة والذيل، بينما تشغل فنون الزخرفة والتذهيب الـهلال والكرسيين والإطارين الداخلي والـخارجي.

خطاطو الـحلية

وقد أضحت لوحة الـحلية أفضل الأعمال الفنية، بل العمل الأثير الذي وجب على الـخطاطين تنفيذه خلال مسيرتـهم الإبداعية، ولا غرو في ذلك؛ فهي الـمقياس الذي يـحاسب عليه الـخطاط، من حيث مستوى تـجويده وإتقانه وتقويمه، ومن هنا صارت لوحة الـحلية شكلاً من أشكال الشهادة العلمية والفنية في مجال الإجازة الـخطية.          

ومن النادر أن يكون أحد الـخطاطين لم ينجز لوحة الـحلية، وقد أوقف بعض الـخطاطين حياته الفنية والإبداعية على تجويد لوحة الـحلية، فكتب الـخطاط العثماني قاضي العسكر مصطفى عزت أفندي (1216ﻫ/1801م-1293ﻫ/1876م) ما يزيد على مائتي لوحة، وتعتبر جهود بعض الـخطاطين منذ القرن الرابع عشر الـهجري/ العشرين الـميلادي، مثل الـخطاط العثماني محمد خلوصي يازغان أفندي (1286ﻫ/ 1869م-1358ﻫ/1940م) مهمة ومتميزة وجديرة بالتقويم والتحليل في سياق النقد الفني، والذي كان واحداً من أولئك الـخطاطين القلائل الذين كتبوا لوحة الـحلية بـخط التعليق وحده، بدلاً من خطوط الثلث والنسخ والـمحقق والرقاع، وتعد لوحات الـحلية التي كتبها بـخط التعليق من أجمل اللوحات الفنية الـمكتوبة على الطريقة العثمانية.  

المراجع

  • الـمدرسة العثمانية لفن الـخط العربي، إدهام محمد حنش، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، مصر، 2012.      
  • فن الـخط، تاريخه ونماذج من روائعه على مر العصور، مصطفى أوغور درمان، شارك في كتابة الـمقدمة التاريخية: نـهاد جتين ، ترجمة: صالح سعداوي، إشراف وتقديم: أكمل الدين إحسان أوغلي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا)، تركيا، 1990.    

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author