رؤية لمسلسلات رمضان "شكرا زيزي"
"دنيا غرورة ملهاش أمان يا زد أحمد"، جاءت هذه العبارة على لسان الفنانة نادية شكري في مسرحية العيال كبرت في مشهد ساخر تتظاهر فيه الابنة الصغيرة المدللة بالعمق الفكري. لا أعرف متى ولا كيف أصبح كتاب دراما رمضان يتقاتلون على تحويل كل الأعمال الدرامية لسلسة من المواعظ والحِكم المنسوخة من منشورات الفيسبوك من عينة "دي كلها متر في متر" "فيه فرق بين اللي بيحبك لنفسك واللي بيحبك عشان المظهر"، "مش كل اللي بيضحك في وشك في قلبه خير ليك" إلى أخره من العبارات الركيكة المصبوغة بعمق دنيا غرورة ملهاش أمان يا زد أحمد.
بينما كنت أجري بين المسلسلات الرمضانية كصائم متلهف إلى العودة إلى بيته ليرى وجهًا مألوفًا كان ممثلو دراما رمضان يرشقوني واحد تلو الأخر بهذه العبارات كما يرشقني الأطفال بأكياس التمر عنوة وقت الإفطار. كلما حاولت الإفلات يخرج علي أستاذ نبيل الحلفاوي بأطنان من أمثال ستي "جبتك يا عبد المعين تعين أتاريك عايز تتعان" مصحوبة بمسيقى تعج بالشجن غير المبرر خلاص يا أستاذ نبيل ده أنت عميق أوي!.
أهرب من حصة أستاذ نبيل وأقول خلاص خلينا في التشويق والدراما المثيرة حلوة التجربة الأمريكية مفيش كلام. لكن قبل أن ينقذ أستاذ يوسف الشريف البشرية بشامبو الكيرياتين المليء بمادة الفورمالين التي أقسمت لي الكوافيرة في كل المرات التي سقط فيها شعري أن الكيرياتين الذي تستخدمه خالي منها، وللأسف رغم شعور أستاذ يوسف بالملل الشديد طوال المسلسل والذي كان يدفعه لقول حواره ببرود متناهي رغم صراخ كل زملائه إلا إن مدام إنجي علاء لم تحرمنا من جلسات تأديبية كل حلقة تحكي لنا فيها أن العالم لا يساوي شيئًا وأن كلنا مزيفين ذوي أقنعة. الرسالة وصلت يا أستاذ يوسف. إحنا أسفين إننا صاحيناك.
تصفحت تعليقات المشاهدين على الفيسبوك حول العمل الدرامي الأمثل لهذا العام ووجدت العديد يشيدون بمسلسل لعبة نيوتن وأداء الفنانة أمينة رزق قصدي منى زكي فانتابني فضول شديد لمشاهدة العمل. بدأت من الحلقة الحادية عشر لألحق بركب المشاهدين فوجدت أستاذة منى في أمريكا تهدد بالانتحار لأن ابنها في الحضانة! استشاطت الحكومة الأمريكية غضبًا وشعرت أن هذه الأم غير أمينة على الطفل. لم تحاول البطلة التواصل مع زوجها الرجل المعقد الذي قرر طلاقها لأنها يادوب كانت تقيم مع صديق رجل في منزله بينما تكذب عليه وتقول له إنها تقيم لدي صديقة لها. لم ترى البطلة أن نجدة الطفل أهم من الخلافات ولا حتى طلبت من صديق الزوج مؤنس تبني الطفل هو وزوجته لحين قدوم الزوج أو قضاء الحكم وإنما كان الحل الأمثل للبطلة هو كتابة الطفل باسم شخص أخر وهو الشيء الذي لم نعرف حتى الحلقة الأخيرة كيف يمكن تغييره!! يعرف الزوج أن ابنه كُتب باسم رجل أخر فيستشيط غضبًا لتعاقبه البطلة على جهله ورجعيته بالزواج من أخر في مركز اسلامي بأمريكا حيث لم يكترث أبدا المأذون بطلب وثيقة تؤكد طلاق البطلة رغم إنها ثيب!! تتوالى الأحداث وتعرف البطلة إنها غير مطلقة من زوجها الأول بشكل رسمي وتقرر أنها لن تقوم بواجباتها الشرعية تجاه زوجها الثاني حتى يتوثق الطلاق من الأول. ينتظرها الزوج الثاني عدة أشهر ثم يكتشف أنها تسلمت وثيقة الطلاق وأخفتها عليه فيحاول أخذ حقوقه عنوة فتلجأ البطلة لطليقها وده طبعا لأن الدنيا ضيقة أوي في المسلسلات فالبطلة معندهاش خال ولا عم تتحامى فيهم. تستاء البطلة من هذا الزوج اللعين فتقرر الذهاب لتقيم في شقة مع صديقها الأمريكي بدون أي صفة وترفض تماما العودة لمؤنس المغتصب رغم احتفاظها باستخدام الكريدت كارد الخاص به. الفلوس مفهاش اغتصاب!
جدير بالذكر أنني لم أحاول مشاهدة مسلسل اللي مالوش كبير للفنانة ياسمين عبد العزيز وزوجها الفنان أحمد العوضي اتساقًا مع مواصفات أعمار المشاهدين من سن 10 سنوات وحتى 15 سنة. نعم أنا أيضًا كنت أعجب بهذا الذكر الخشن عندما كنت أقرأ روايات زهور في الثالثة عشر من عمري. وقتها كان اسمه مدحت أو رأفت الآن اسمه الخديوي وبيقول أي كلام. كذلك لم أحاول مشاهدة مسلسل لحم غزال للفنانة غادة عبد الرازق لأن هذا القدر من الفيلر والبوتوكس والهوليود سمايل في حواري مصر كان أكبر من قدرة احتمالي.
شعرت بالملل وحاولت البحث عن مسلسل طبيعي لا يمثل فيه الأبطال بأجساد بعضهم البعض دون أن يكترث أحد وسط موسيقى تصعيدية طوال الأحداث. مسلسل يعيش فيه الأبطال في شقق أوضتين وصالة كمعظم المصريين فلم أجد سوى القصور والعشش، ولكني في النهاية رأيت بصيص نور: محمد ممدوح محامي محترم ومش فاسد وعايش في شقة عادية رغم شهرته. يا فرج الله إيه الحلاوة دي. زيزي شابة مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. تعاني من عُقد في الطفولة بسبب جهل والديها بحالتها. يفيض بزوجها الكيل ويخبرها برغبته في الانفصال في أكثر الأوقات ضعفًا لها بعد فشل محاولتها الرابعة للإنجاب عن طريق الحقن المجهري. منذ اللحظة الأولى لمسني المسلسل لأني تذكرت ابن جيراني الطفل الذي كان والداه يطرحاه ضربًا لجهلهم بالتعامل مع فرط حركته. لأول مرة أرى عمتي التعيسة مع زوجها ولكنها تقرر الاستمرار في هذه الزيجة الفاشلة مفرغة هذا المزيج في الفشل والتعاسة في نفوس الأبناء. هكذا كان أيضاً زميلي في العمل يتأثر بتدخلات أسرته في حياته حتى كاد يخسر زوجته وابنه. شكرًا أسرة مسلسل زيزي شاهدتكم جميعًا في بيوت أقربائي وأصدقائي. شكرًا لكل الضعف في ماضي الأبطال دون حكم ولا مواعظ ولا دنيا غرورة ملهاش أمان يا زد أحمد.
بقلم ساره عبد الحميد.
You must be logged in to post a comment.