الفراسة لغة
جاء في بعض المعاجم العربية، مثل المعجم الوسيط، ومعجم اللغة العربية المعاصر، ومعجم الرائد، ومعجم لسان العرب، ومعجم القاموس المحيط، فراسة مصدر فرس، تفرس يتفرس فراسة، تفرس في الشيء: توسمه، وتفرستُ فيه خيراً، أي: تعرفته بالظن الصائب، ويقال: إنه لفارس بهذا الأمر، أي: عالم به بصير، والفراسة (بكسر الفاء)، هو التثبت، والنظر، والتأمل.
الفراسة اصطلاحاً
الفراسة Physiognomy علم يتم التعرف من خلاله، على الباطن وخفايا الأمور، بواسطة النظر إلى الظاهر، والحكم على شخص الإنسان، من ملامح وجهه، أو هو الاستدلال بالخلق الظاهر، على الخلق الباطن، ومن خلال هذا العلم، يتعرف المتخصصون، على أخلاق الإنسان وطبائعه، من هيئته، ومزاجه، ويرى العارفون أن الفراسة هي: "مكاشفة اليقين ومعاينة الغيب".
القيافة والعيافة
يقال إن المصريين القدماء، كانوا على شيء من علم الفراسة، والدليل على ذلك ما قرؤوه، في بعض أوراق البردي المكتوبة، في عصر العائلة الثانية عشرة، في القرن العشرين قبل الميلاد، على أن الفراسة لم تعتبر علماً مستقلاً، قبل ما كتبه الفيلسوف اليوناني أرسطو Aristotle، في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد عرف العرب الفراسة، فكانت من علومهم ومعارفهم، في العصر الجاهلي، حيث كانوا يعتقدون أشياء، تعد من قبيل الفراسة، مثل (القيافة) و(العيافة)، وكانت (القيافة) عند العرب صناعة، يستدلون بها على معرفة أحوال البشر، من خلال النظر إلى ألوان الناس وجلودهم، أما (العيافة)، فهي تتبع آثار الأقدام في المسير، من أجل معرفة صور أصحابها.
الفراسة والسحر
انتشرت الفراسة، في الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابها، بالاستدلال على القوى والأخلاق، من الملامح الشخصية، فبدأوا يتنبأون بالغيب، فخلطوا بين الفراسة والسحر، لتصبح الفراسة من العلوم الخرافية، لكن مع ظهور العلم الحديث، أعيد النظر في علم الفراسة، بعين العلم الطبيعي، المبني على الاختبار، والمشاهدة، ولا غرو في ذلك، فالفراسة ليست من العلوم الخرافية، إنما هي من العلوم الطبيعية، التي تدرس أشكال أعضاء الجسم، للاستدلال منها على أمزجة البشر وطبائعهم، والجدير بالذكر، فإن لكل جنس من أجناس البشر، شكل معين من الأعضاء، ومزاج مختلف.
الشرعية والحكمية
تنقسم الفراسة إلى نوعين: النوع الأول، هي الفراسة الشرعية، وهي فراسة فطرية، تصقلها التجربة، ونور إيماني، ينبسط على القلب، لا يهتدي لحقيقته، إلا من صفا قلبه، من الشواغب والشواغل، ولذلك قال العلماء والفقهاء عن هذا النوع، أنها ملكة لا ينبغ فيها، إلا بعض الناس، الذين تميزوا دون غيرهم، بالاستعداد الخاص لها، وقد نراها في بعض الناس خلقية، من دون علم، أو دراسة، لكنهم لو تعلموها، لكانوا من النابغين فيها، أما النوع الثاني، فهي الفراسة الحكمية، وهي فراسة مكتسبة، بالخبرة والتدريب، وتقوم على معرفة، بواطن الأشخاص بظواهر الحواس، ولهذا النوع فروع، مثل فراسة الوجه، وفراسة الرأس، وفراسة الخط، وفراسة المشي، وفراسة الكف، وفراسة المقابلة، وهي الحكم على أخلاق الناس بالنظر، إلى ما يشابه وجوههم، من وجوه الحيوانات، كأن يقال: إن اتساع الصدر، يشبه صدر الأسد، دليل على الجرأة والشجاعة.
الإيمانية والنورانية
تعتبر الفراسة من المعارف الإيمانية، فهي علم نوراني، أودعه الله تعالى، في قلب المؤمن التقي، القريب إليه، المشغول به، والفراسة الحقة من مقامات الإيمان، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر:75]، وقال تعالى: ﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ [البقرة:273]، والمتفرس الذي ينظر بنور الله تعالى، ينفذ في الأشياء، فيرى ما هو مقدر، قال عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: "أفرس الناس ثلاثة، عزيز مصر حين قال لامرأته: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ [يوسف:21]، والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص:26]، وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما"، ويرى بعض العارفين، أن الفراسة موهبة ومقدرة دائمة، في جميع الأوقات والأحوال، يحظى بها الولي، لأنه ينظر بنورالله تعالى، ولأن قلبه قد تطهر من الهوى، فلم يعد ينظر ببصره، وإنما ببصيرته، والفراسة تختلف عن الظن، لأن الظن كثير ما يخطئ، وقليل ما يصيب، حسب طهارة القلب وظلمته، ولهذا أمرنا الله تعالى، باجتناب كثير من الظن، وأخبرنا أن بعض الظن إثم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات:12].
فراسة الدماغ
قام الطبيب الألماني، فرانز جوزيف غال Franz Joseph Gall، برفقة بعض العلماء والباحثين، بتحليل شخصية الإنسان، من خلال فحص شكل الجمجمة، وذلك خلال السنوات الأولى، من القرن التاسع عشر الميلادي، واعتقد غال بأن الجماجم يمكن ترسيمها، باعتبارها خارطة، لبيان تحديدات هذه المناطق، التي اعتبرها أعضاء، تتحكم في السمات الذاتية، والقدرات العقلية، وطبقاً لما توصل إليه العلماء والباحثون، في هذا العلم، فإنه بات من الممكن، التعرف على سمات الشخص البارزة، من خلال بروزات، أو نتوءات، في الرأس، فعلى سبيل المثال، الشخص الرياضي، ينبغي أن يمتلك عضو رقم كبير، والشخص الموسيقي، ينبغي أن يكون لديه، عضو نغم متطور، وقد نالت فراسة الدماغ، شهرة واسعة في أوروبا الغربية، وأمريكا الشمالية، خلال أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ومن المشاهير الذين تبنوا هذا العلم، الشاعر الأمريكي والت ويتمان Walt Whitman، والناقد الأمريكي إدغار آلان بو Edgar Allan Poe، وقد مهدت فراسة الدماغ الطريق، لظهور علم النفس الحديث.
متفرسو العرب
ترجم علماء العرب والمسلمون كتب الفراسة، عن اليونان والرومان، وقاموا بوضعه ضمن علوم الطب، ومن أشهر متفرسي العرب:
- أبو عبد الله، محمد بن إدريس الشافعي.
- أبو بكر، محمد بن يحيى الرازي.
- أبو علي، الحسين بن عبد الله بن سينا.
- أبو الوليد، محمد بن أحمد بن رشد.
مصنفات الفراسة
من أشهر ما وصل إلينا، من كتب العرب والمسلمين، في علم الفراسة:
- البهجة الأنسية في علم الفراسة الإنسانية، لمحمد بن محمد المرصفي.
- السياسة في علم الفراسة، لمحمد بن أبي طالب الدمشقي.
- منظومة خطية في علم الفراسة، لمحمد بن أحمد الخليلي.
المراجع
- الموسوعة الإسلامية العامة، محمود حمدي زقزوق، وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مصر، 2003.
- الموسوعة العربية العالمية، مجموعة من العلماء والباحثين، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999.
You must be logged in to post a comment.