ينقسم الأدب عامة إلى شعر ونثر وقد اختلف الباحثون في أسبقية أحدهما على الآخر ويمكن القول أنهم اتفقوا على أسبقية الشعر على النثر ؛ استنادا إلى النصوص المكتوبة التي وصلت إليهم إذ كانت شعرا لا نثرا رغم أن المنطقة الطبيعية يقتضي أن يكون النثر أسبق ؛ وذلك لأن لغة الحياة اليومية التي يتواصل بها العامة هي لغة النثر لا الشعر ، كما أن ارتباطه بموضوعات الحياة أكثر من ارتباط الشعر بها إضافة إلى أنه لا يحتاج الملكات التي يتطلبها الشعر . ولعل أسبقية الشعر على النثر لا تعود إلى الشعر بحد ذاته بقدر ما تعود إلى سهولة حفظه التي تقوم على ارتباط وثيق بما يحكمه من وزن وإيقاع من جهة ووحدة موضوعية من جهة أخرى وهي سمات لا تتوافر في النثر الفني بقدر توافرها في الشعر وهذا ما جعل تدوين الشعر في مرحلة الكتابة سابقا على تدوين النثر . ولعل التمييز بين الشعر والنثر في الأدب العربي لا يخرج عما جاء في كتاب نقد الشعر المنسوب لقدامة بن جعفر ، حيث عُرّف فيه الشعر على أنه كلام موزون مُقَفّى له معنى ولكن هذا المفهوم في العصر الحديث قد تطور بجوانبه المختلفة فالمعلوم أن الوزن في ذلك العهد قد ارتبط ببحر الشعر وما يقتضيه من التزام حرف روي واحد في القصيدة نفسها لكننا وفي الشعر الحديث وصلنا إلى الوزن الحر الذي أصبح الوزن فيه ملتزم على وحدة التفعيلة وأخذ حرف الروي يتعدد ويتنوع في القصيدة الواحدة ، وعلى صعيد المعنى فقد ارتبط في العصر الحديث بالمضمون الشعري وما يقتضيه من ملكات يعبر الشاعر فيه بلغته وأسلوبه عن ذلك المضمون في إطار ذلك الوزن ويعكس من خلاله مشاعره ويُعمل فيه خياله وعليه يمكن القول إن الأسس الثلاثة التي تعتمد في التفريق بين الشعر والنثر هي :
أولا : الإيقاع والموسيقى المرتبطان بالوزن
ثانيا : المضمون الشعري وما يرتبط به من فكرة وموضوع
ثالثا : الملكات النفسية للشعر وما يرتبط بها من لغة وعاطفة وخيال على أن تتوافر هذه الأسس معا في نص ما حتى يعد هذا النص شعرا .
وبناء عليه لا يعد الشعر التعليمي كألفية ابن مالك مثلا شعرا إنما يدخل في باب النظم وذلك لارتباطه في الوزن فقط وخلوه من المضمون الشعري الذي يحدث تأثيرا في نفس المتلقي وإثارة للعواطف والمشاعر وبالتالي فلغته خالية من التصوير والخيال .
You must be logged in to post a comment.