تاريخ علم الفيروسات

تم اكتشاف الفيروسات بالصدفة خلال إجراء العالم أدولف ماير بحوثاً على تبرقش أوراق التبغ في عام 1883, فتوصل إلى أنه توجد دقائق أصغر من البكتيريا سببت هذا المرض.

وفي عام 1884 اخترع العالم الفرنسي شارل شمبرلند مصفاة شمبرلند – باستور التي تتميز بمسام أصغر من البكتيريا وبالتالي تمكن بواسطتها من تصفية محلول بكتيري وإزالته تماماً منها، لكنه لم يستمر في أبحاثه.

وتمكن العالم الروسي ديمتري ايفانوفسكي في عام 1892 من تصفية عصارة أوراق التبغ المصابة باستخدام مصاف خاصة لا تسمح للبكتيريا بالمرور من خلالها، وقام بمسح أوراق التبغ غير المصابة بالمحلول المصفى فلاحظ إصابتها بالمرض. وكان أول من أطلق عليها اسم فايروس (أي سم باللغة اللاتينية) ووصفت بأنها جزيئات بسيطة اصغر من البكتيريا، وقد نتج عن تجاربه أن أوراق التبغ المصابة بعد طحنها فإنها ما تزال معدية بعد تصفيتها. وقد اقترح أن السبب قد يعود إلى مادة سامة تنتجها البكتيريا نفسها لكنه لم يستمر في هذه الفكرة وفي تلك الفترة كان يعتقد أنه بالإمكان إبقاء جميع العوامل المسببة للعدوى فوق المصافي وتنميتها على أوساط غذائية حيث كان ذلك يعد (جزء من النظرية الجرثومية للمرض).

ورقة تبغ مصابة بفيروس تبرقش التبغ

وفي عام 1898 قام عالم الجراثيم الهولندي مارتينوس بيجيرينك بتكرار تلك التجارب، والنتيجة كانت أنه أصبح على قناعة بأن المحلول الناتج عن التصفية يحتوي على شكل جديد من العوامل المعدية ولاحظ أن هذا العامل أصاب فقط الخلايا الموجودة في منطقة التبرقش، لكن تجاربه لم تكشف له أنه مكون من جسيمات لذلك سماه بالعامل الجرثومي.

ومع بداية القرن العشرين اكتشف عالم الجراثيم الإنجليزي فرديريك توارت مجموعة من الفيروسات التي تصيب البكتيريا، وقد سميت في الوقت الحاضر بالعاثيات. وقد وصفها عالم الجراثيم الكندي فيليكس دهيريل بأنها الفيروسات التي عندما يتم إضافتها إلى البكتيريا على أغار تنتج مناطق من البكتيريا الميتط واكتشف أن أقل تركيز من هذه الفيروسات بدلاً من قتل جميع البكتيريا تقوم بتشكيل مناطق منفصلة من الكائنات الميتة. وقد تمكن من حساب عدد الفيروسات في المحلول الأصلي المخفف وذلك من خلال حساب عدد المناطق الميتة وضربه في معامل التخفيف. وقد أعلن أن العاثيات ممكن اعتبارها علاج محتمل للعديد من الأمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد لكن هذا التوقع تم نسيانه مع اختراع البنسلين. وقد أعطت دراسة العاثيات هذه إلى دلائل حول تبديل وأيقاف الجينات واعتبرت آلية مفيدة لإدخال جينات أجنبية إلى البكتيريا.

وبحلول نهاية القرن التاسع عشر تم تعريف الفيروسات من حيث العدوى وقدرة تصفيتها وكذلك حاجتها إلى مضيف حي. وقد كانت الفيروسات تنمو فق في البناتات والحيوانات. وفي عام 1906 اخترع العالم روس هاريسون طريقة لزراعة الأنسجة في سائل بلازما الدم (اللمف) وفي العام 1913 طبق العالم ستينهارت وزملائه هذه الطريقة لتنمية فيروس الوقس في أجزاء من أنسجة قرنية خنزير غينيا.

في العام 1928 قام العالمان هـ.ب. ميتلاند وم.س. ميتلاند بتنمية فيروس الوقس في معلق كلى الدجاج المفروم، ولكن هذه الطريقة لم يتم اعتمادها على نطاق كبير حتى العام 1950 حيث كان يتم زراعة الفيروسة السنجابية أو ما يعرف بفيروس شلل الأطفال على نطاق واسع لإنتاج اللقاحات.

وفي عام 1931 حصلت نقلة أخرى عندما قام عالم الأمراض الأمريكي أرنست وليام غودباستير بتنمية فايروس الإنفلونزا وفيروسات أخرى في بيض الدجاج الملقح.

وفي عام 1949 قام العلماء جون إندرز وتوماس ولر وفردريك روبنز بتنمية فيروس شلل الأطفال في خلايا الجنين البشري. ليكون أول فايروس ينمو دون استخدام أنسجة صلبة للحيوانات أو بيض. وقد تمكن بذلك العالم يوناس سولك من صنع لقاح فعال ضد فايروس شلل الأطفال.

تمكن العلماء من تصوير الفيروسات بعد اختراع المجهر الإلكتروني عام 1931 من قبل المهندسين الألمانيين إرنست روسكا وماكس نول. وفي العام 1935 قام عالم الفيروسات والكيمياء الحيوية الأمريكي وندل ستانلي بدراسة فيروس تبرقع التبغ ووجد أنه يتألف في غالبه من البروتين. وبعد ذلك بوقت قصير تم فصل هذا الفيروس إلى جزئين (بروتين RNA) كان فيروس تبرقش التبغ هو أول فايروس تتم بلورته وأصبح بالإمكان توضيح بنيته بشكل مفصل.

فيروس تبرقش التبغ

تم الحصول على أول صور حيود الأشعة السينية للفيروس المبلور من قبل العالمين برنال وفانكيشين في عام 1941. وبناء على هذه الصور اكتشف العالمة روزليند فرانكلين بنية الـ DNA) الكاملة للفيروس عام 1955 وفي نفس العام شرح العلماء هاينز فرانكل كونرات وربلي كوك وليامز أن RNA فيروس تبرقش التبغ النقي ومحيطه (معطفه) البروتيني يمكن أن يجتمعا بحد ذاتهما لتكشيل فيروسات فعالة، مما يوحي بأن هذه الآلية البسيطة ربما كانت نفس الطريقة التي قامت بها الفيروسات داخل الخلايا المضيفة.

كان للنصف الثاني من القرن العشرين العصر الذهبي لاكتشاف الفيروسات حيث تم العثور على 2000 نوع من الفيروسات وهي تقريباً معظم الفيروسات المعروفة لدى الحيوانات والنبات والبكتيريا خلال هذه السنوات. حيث اكتشف الفيروس الشرياني الخيلي ومسبب الإسهال عند الأبقار (الحمى الطاعونية) في عام 1957، وفي عام 1963 تم اكتشاف فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي من قبل العالم باروخ بلومبيرغ وقام العالم هوارد تيمون أول فيروس قهقري عام 1965.

ويعتبر الإنزيم المفتاح للفيروسات القهقرية (المنتسخة العكسية) والذي يستخدم لترجمة RNA الخاص بها إلى DNA وقد تم وصفه بشكل مستقل عام 1970 من قبل هوارد تيمون وديفيد يالتيمور. في عام 1983 قام فريق لوك مونتانييه من معهد باستور الفرنسي لأول مرة بعزل الفيروس القهقري المعروف الآن بفيروس نقص المناعة البشرية.

واكتشف العالمان والتر ريد وجميس كارول أول فايروس يصيب الإنسان وهو فيروس الحمى الصفراء.

تعتبر الفيروسات إحدى أهم المعضلات التي تواجه التصنيف الحيوي فهي لا تمثل كائنات حية لذلك يتم وصفها في الغالب بالأجسام المعدية لكنها في المقابل تبدي بعض خصائص الحياة مثل القدرة على التضاعف والتكاثر من خلال خلايا المضيف التي تسيطر عليه.

تقوم الفيروسات بالاستعانة بآليات الخلايا الحيوية عن طريق دس / زرع DNA أو RNA الخاص بها في المادة الوراثية للخلايا الحية. لكن بالمقابل فإن الفيروسات لا تتحرك ولا تقوم بعمليات استقلاب أو تحلل من تلقاء نفسها، إنها توجد في منطقة وسطى بين الحياو اللاحياة ويبقى تعريف الحياة نفسه غير محدد بدقة ، فبعض الجسيمات مثل ركتسيا تبدي مظاهر الحياة واللاحياة أيضاً.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
أبريل ١٨, ٢٠٢٣, ٣:٥١ م - Aya Mohammed
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٤٦ ص - Bassant
أكتوبر ٢٣, ٢٠٢٢, ٥:٠٨ م - avan yasin
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:٢٣ م - Abdallah
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١:١٤ م - Rasha
About Author