حافة الزمن

حافة الزمن

عندما نصل لحافة الزمن.. تلك المسافة الفاصلة ما بين الحياة والموت، تتعدد المشاهد، تختلف رؤياها من شخصٍ لآخر؛ تكون واضحة جلية لمن وصل مرحلة النضج الإنساني، ضبابية مجهولة كما عاشها من لم يصل لتلك المرحلة.

مرحلة النضج الإنساني وكما تصورتها، او ما وصلت إلى مفهومها الغني بعد مشوار دامت فيه قدمي تارة، وفرح قلبي آخري.. دمعت فيه العين مرات.. مشوار الحياة بتجاربه الغزيرة.. وقبل النهاية، وعند حافة الزمن نجد كل ما كان.. ما عايشناه، ما تفاعلنا معه بكل تفصيلة صغيرة وكبيرة.. وهم الزمن المتمثل في ثلاثية الماضي، الحاضر، المستقبل؛ تلك الثلاثية الواهية! نعم واهية لأنها تتلاقى وتتجسد في لحظة؛ فإذا كانت ماضٍ فهي الحاضر بنتائجها، والمستقبل بما تركت من علامات.. جروح كانت أو ابتسامات.

ما بعد مشوار الحياة نتوقف عند حساب الخسائر والأرباح، والإجابة دون تفصيل أو جداول حسابية هي إنك كنت إنساناً بمعنى الكلمة عاش، وتفاعل.. تقاسم الحياة مع من حوله أم لا؟ وجدت مجتمعاً وبيئة محيطة تؤمن بالإنسانية بما تحويه من مساحة شاسعة للتسامح والمحبة أم لا؟

نتمسك بأغلال القناعات، نتصارع في حلبات النقاش.. نختلف، نعادي ونخسر من نحب بسبب قناعات احتمالية الخطأ فيها أكبر من الصواب.. تتغير المفاهيم والمواقف؛ ولا تتغير القناعات؛ فنبدو كمن يزرع الورود في سحبٍ ويتعجب لما لا تزدهر وتنمو.
نرى للآخر بعيوننا، بل نعاقبه إن لم يفعل ما نراه.. تتوه الخطوات في طرقات الحياة.. نضل المساعٍ.. وفي النهاية عندما نصل لحافة الزمن نجد الندم فاتحاً ذراعيه لنا.. ندم على كل لحظة هربت من بين يدانا عندما أغفلنا كلمة حلوة، صادقة.. نظرة حاضنة، حانية.. لمسة بها كل دفئ الحياة.. ندم على تمسكنا بمن باعنا ولم يقدر تدفق مشاعرنا، تسامحنا.. ندم على كل جهلنا بمفهوم الإنسانية ومراعاة الآخر، وترك الحرية له في الحياة.. ومن أجل لحظة الوصول علينا الاجتهاد الفكري.. علينا تغير القناعات عندما لا تجدي نفعاً.. نسلم بالواقع، نواجه حينما يتحتم علينا المواجهة.. نطهر قلوبنا من الحقد والكراهية، الخيانة والكذب.. العناد.. نقدر لحظات الانكسار والضعف.. نغسل أرواحنا من بشاعة استغلال الاحتياج والقهر.. وفي النهاية إن عشت إنساناً تخطيت حافة الزمن سعيدا.