دانتي ألغييري

الشاعر دانتي أليغييري

نشأت عائلة "الأليغييري – Aliguieri"أو "الأغاري – Alagary في لمبارديا (الإيطاليا القارية) التي تقع أسفل الألب، ودلالة الاسم تشير إلى العقافة الصغيرة التي يرميها سائق القارب حينما يصل إلى الشاطئ، فهي بمثابة المرساة. كما يدل الاسم باعتباره Aligero مفرداً على من يملك جناحين ليطير بهما ملاكاً كان أم طائراً. وأما اسم الشاعر "دانتي" فتعني "هذا الذي يعطي"، وتصغيره "دورانتي" أي "الصبور" أو "المكابد. فقد ولد دانتي عام 1265م في فلورنسا متحدّراَ من الأشراف والنبلاء، فكانت والدته تدعى بيلا اختصار "غابريلا" أي الجميلة، وقد توفيت منذ صغره، فترعرع مع والده الذي تزوج من الآنسة لابا دي تشياريسسمو، وأنجبا طفلين "فرانشيسكو" و"غايتانا".

الملحمة الشعرية

تُعرف الملحمة بأنها جنس من أجناس الأدب، على شكل قصة مطوّلة تروي بطولة الشخصية الرئيسية بأسلوب شعري، تسرد أحداثًا لأفعال وبطولات عجيبة، تعتمد خيالًا عظيمًا، أبطالها آلهة أو أناس يتمتعون بصفات خارقة للعادة، وفيها يتجاوز الوصف مع الحوار وصور الشخصيات والخطب، غير أنّ عنصر الحكاية هي من تسيطر على العناصر الأخرى، وذلك لكونها لا تخلو من الاستطرادات وعوارض الأحداث، وبهذه يكون الفرق بين الملحمة والمسرحية فرقًا جوهريًا، وعليه، فإنّ ملحمة دانتي المعروفة بـ "الكوميديا الإلهية" تعدّ من أروع الملاحم الشعرية في القرون الوسطى، حيث تصف الواقع المخزي أو الخرافي الذي كان يسيطر عقول الناس آنذاك من أساطير الآلهة والعقائد الدينية والخيالات التي لا طائل منها، كما أنّه يذكر حروب تلك الفترة الزمنية، لذا يسود الطابع الذاتي موضحًا بُغض الشاعر للأخطاء والرذائل الاجتماعية، فضلاً عن حبّه للفضائل وسمو الأخلاق.  

نبذة عن الكوميديا الإلهية

عندما بلغ الشاعر الثامنة عشرة من عمره تقابل مع العديد من الفنانين والأدباء، وكان يتبادل التحية مع حبيبته بيتريس بورتيناري التي وقع في حبها لأول وهلة رآها وهو صبي يبلغ التاسعة من عمره، حيث إنّ حبه لها كان دافعاً لأعماله الأدبية ومنها "الكوميديا الإلهية"، ومنذ أن توفيت بيتريس حاول دانتي البحث عن مسكنٍ له في قسم الأدب اللاتيني، وتوجّه إلى دراسة الفلسفة في مجامع دينية كالدومنيكية والفرانتشسيكانية، يجدر الذكر بأنّ اسم الملحمة فيه إشكالية، فالشاعر سمّى ملحمته بـ "الكوميديا" مكتفيًا بقصده عن المهزلة والملهاة التي تثير شكوك القارئ وتدهشه الصور اللاواقعية التي تصف قرب العالم الآخر من العالم الأرضي الذي يراه الناس بشكل ساخر، كما أنّ دانتي شرح سبب تسمية ملحمته بالملهاة، لانتقالها من الشقاء إلى السعادة واختلاف مقادير الناس في الدنيا عن الآخرة، وبعد مرور ربع قرن من نشرها جاء الأديب الروائي بوكاتشيو جيوفاني وأضاف "الإلهية" أي التقديس والكمالية، حيث إن الملحمة اتّصفت بالطابع الديني ممزوجًا بالطابع الإنساني، وتعتبر فريدة في نوعها، فهي تخالف ملحمتي هوميروس مخالفة تكاد تكون تامة في كل نواحيها، ويمكن القول بأنّ موضوع هذا العمل الأدبي هو الإنسان بما فيه من فضائل أو رذائل، كتبها الشاعر بلغة عامية (لغة فلورنسا) وأسلوب يسير، تندرج إلى لهجة ربات البيوت آنذاك.

ملخص الكوميديا الإلهية

لقد قسّم دانتي الكوميديا الإلهية إلى ثلاثة أقسام؛ الجحيم، المطهّر والجنة الأرضية والسماوية. وتضم مئة أنشودة متكاملة، في الجحيم أربع وثلاثين أنشودة، أما في المطهر والجنة فيحتوي كل منهما من ثلاث وثلاثين أنشودة. تبدأ رحلة دانتي بما هو مبغض ومزعج في بيئة الجحيم حيث هناك وادي الظلمات ووادي العذاب الأليم، كما أنّها تقع في باطن الأرض البعيدة من سماء الآلهة، فتسقط الأرواح كالأوراق الجافة التي فارقت غصونها، فيعبرها دانتي مع الشاعر فرجيل رمز الحكمة الشعرية ويتجولان معًا في الطبقات السبع ثمّ يتصادفان بالدرك الأسفل حول بيئة الشيطان التي تقع في أبعد بقعة من الآلهة، وتعرف بمنطقة الزمهرير، بعد مرور يومين من الرحلة يصل الشاعر إلى المطهر ويستغرق فيها أربعة أيام، فتتمثل له بجبلٍ في الأرض يقابل منطقة الجحيم وله قمة بارزة، يقع في مركز الأرض، والمطهر ذو سبع مناطق، وفيها المذنبون يكفرون عن ذنوبهم، يختلفون عن سكان الجحيم بأنهم قد تابوا إلى آلهتهم، ولذا فإنّ أملهم في النجاة تكاد تكون سبيلهم إلى النعيم. بحيث إذا نجت أرواح من المطهرين؛ ترحّلت إلى عالم الخلد والجنان، فيهتز الجبل كله ويصبح الجميع ممجدين، وفي قمة الجنة الأرضية تظهر حبيبته رمز الحب والجمال التي أحبها حبًا طاهرًا خالدًا، وهنا يودّع فرجيل ليصحب محبوبته في السماوات السبع ذات الكواكب المتحركة، ثم يطيران إلى عرش الآلهة حولها تسع دوائر من لهيب، فيها جوقات الملائكة تسبح للآلهة وعظمتها في ألوان ومناظر مبهرة، إلى أن يصلا إلى السماء العاشرة تتكون من أربع مناطق تسكنها الأرواح الخالدة المضيئة.