ذات الشعر المموج

جاءت اشعةُ الشمسِ حارقةً قوية كأنها تقول لقد انتصرتُ مرةً أخرى بعدما ظننت أن الظلام الذي بداخلي سيجعلُ الليلَ يدوم الى الابد، إخترقت اشعتها و إنسدلَت في جميع أنحاءِ غرفتي راقصةً على جدرانها  محتفلةً بانتصارها المتكرر، ثم تلحقها خطوات أمي الخفيفة على الرغم من معرفتها بأنني لا زلت مستيقظاً لتطرق الباب ثلاث طرقاتٍ خفيفة فتدخل ثم تضع بحجري حفنةً من الطعام دون أن تقول كلمةٍ واحدة و تذهب، لقد أصبحت أمي هكذا مؤخراً حين قمت بالصراخ عليها ذات ليلة بسبب كلامها المتواصل الذي أشعل البراكين داخل أحشائي، و بعدها توقفت عن الكلام معي فقد اكتفت بإختطاف نظرةٍ سريعة ثم مغادرة الغرفة و الإنتظار لبضع ثوانٍ خارجها ثم ترحل.

أما أختي تفعل الشيء ذاته و لكن مع بعض التعديلات البسيطة فهي لا تتوقف عن الكلام معي محاولةٍ بذلك إخماد الحريق التي تشتعل بداخلي و إبهاج روحي. 

 

لا أحد منهم يدرك إنكسار قلبي و إنطفاء روحي، إن حزني عمّ ملامح وجهي فَبهتت، حتى غرفتي لم تعد تسعني أنا و حزني.

 

و كعادتي عُدت الى ضفاف ذلك النهر الذي كلما ذهبت إليه شعرت و كإنه يحتضن حزني و يخبرني "لا ملجأ لصخب حزنك إلا بي".

 

و على ضفاف ذلك النهر هناك وجوهٌ تتكرر بإستمرار و وجوه أخرى أراها لمرةٍ واحدة فقط و من بين كل تلك الوجوه يتكرر وجه تلك الحسناء  التي باغتتني بنظرتها على حين غرةٍ، فعزمت على ألا أنظر و لكنها أعادت الكرة مرةً أخرى، فبادلتُها بنفس الكرة.

كانت فتيةً، بهيةً، مليحة القَسَمات، ذات شعرٍ أحمر مموج، تمتلك عينان بلون البن، و لأول مرة أشعر و كإني في إحدى صباحات أغسطس المشرق.

كانت تجلس على ضفافِ النهر المجاور لي، تعزف على كمنجةٍ بدت لي و كأنها مبعثرة الأوتار، و لكنها استطاعت وصف حزني جيداً، كان الحب يهطل من مقلتيها حتى عزفت على أوتار قلبي فأصابتني بالهذيان، إستجمعت نفسي و حاولت تجاهل صدى عزفها، و ما هي إلا بضع لحظات حتى عاد غروب الشمس من جديد، تذكرت حينها الغروب في غرفتي حيث يكتمل حزني، غادرتُ الضفاف تاركاً فتات قلبي آملاً أن يُجبر من جديد، ثم عدت إلى أدراج حجرتي مدركاً أن النهاية لما تأتي بعد و أن لكل نهايةٍ بدايةً جديدة، ألقيت بنفسي على سريري لأكتب طلاسم أخرى على سقفي اللعين الذي شهد على رواياتي الحزينة و لحظات ضعفي ملقياً بثوب كبريائي أرضاً!

 

و لكن ما حدث اليوم كان من غير المعتاد عندما ظهرت تلك الحسناء التي هزت كياني و بعثرت عِكر صفوتي، وددتُ لو حادثتها أو إقتربتُ منها بضع خطوات أخرى، كان لا بد أن أنتظر إشراق الشمس من جديد على تلك الضفاف لأكحل عيناي برؤياها.بَزُغت الشمس من جديد معانقةً أروقة المنزل، نظرت إلى أمي و كلمات الإعتذار كادت ان تفيض من عيناي، لم أستطع أن أحادثها و أخبرها عما شعرت بالأمس ربما خفتُ من ردها الرادع أو كلماتها الحارقة كالجحيم، وضعت الطعام و ذهبت دون إنتظار، لا أعلم ان كان هذا جيداً أم سيئاً!

 

انتظرت اختي حتى تأتي لتحادثني من جديد بكلماتها المليئة بالحب و الإخلاص، و لكن هذه المرة لم تأتي!

 

ربما ملّت من صمتي المتكرر و بؤسي الذي خيّم على ملامح وجهي، أو لربما شعرت أن صوتها الشجيّ لن يستطيع تغيير الحال الذي بِتُ عليه، لا اعلم لماذا اليوم تحديداً احتجت كلاهما، لا زلت انتظر شعاع الامل المصحوب بالحب ذاك الحب الذي سيغير مجرى حياتي!

 

تناولت طعامي، و إرتديت معطفي القرمزي الهزيل، وقفت أمام مرآتي حيث لم أرى وجهي شاحباً هكذا من قبل، حاولت تصفيف شعري بطريقة اكثر أناقةً، ففرصتي للظهور اليوم، أحضرت عطر أبي الذي اهداني اياه قبل وفاته ببضع ايام و قمت برش بضع بخاتٍ منه، فأنا لم اجرؤ على استخدامه من قبل، خواطري تتلاطم، افكاري مهشمة و داخلي انصاف حكايات.

 

شعرت و انه كان يتوجب علي اليوم ان ابدو اكثر تحضراً عن ذي قبل، لربما بقيت عالقة بي منذ الأمس!

لا بد ان تحدث معجزةً اليوم! 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
About Author