كتب/ طارق الجزار
لم نكن نتوقع أن تأتي رياح الخريف بكل تلك القسوة التي لم نكن قد اتفاقنا معها علي تلك الغلظة الشديدة من قبل, لكنها خانت ذلك الاتفاق وحملت معها هذا العام في جعبتها أزمة أخلاقية هزت أرجاء وطننا الغالي الذي تعودنا طيلة حياتنا علي أرضة أن المرأة تاج يوضع علي الرأس لكنها أتت لتدمر تلك القاعدة التي تربينا عليها, فمنذ قدومها وأعراض بناتنا تنتهك في الطرقات وأمام أزواجهم ويصل الأمر إلي ان الآباء هم من يدمرون فلذات أكبادهم بدم بارد لإشباع رغباتهم الجنسية القذرة, والذنب الوحيد لهؤلاء الأبرياء أنهم خلوقنا إناثً في زمن كثرت فيها الذئاب البشرية التي لا تعرف أي معني عن الإنسانية والقيم الأخلاقية التي وصلت إلي أدني منحدر لها في هذا الزمان.
نحن أصبحنا نعيش في عالم مُعتم رغم كثرة الأنوار التي تضيئ أرجاء المعمورة لكن ما فائدة إنارة الطرقات في الوقت الذي تكون فيه القلوب والعقول قد فصلت عنهم الإضاءة منذ وقت بعيد, فلقد تحولت القلوب كالحجارة في قسوتها أو أشد منها لكن ذلك الشيء الأصم يعود بفوائد كثيرة علي البشر في هذه الفترة السيئة من التاريخ التي لم نري من الجنس البشري سوي أعمال قبيحة تقلل منه, كما أن العقول قد طمسها الجهل الذي يعد أقوي مسبب في تحطيم كل ما هو جميل بمجتمعنا ويضعه في ذاكرة الماضي كقصة خيالية تتعايش عليها الأجيال المتعاقبة دون أخذ المواعظ منها وترك كل ما هو قبيح.
فهبوب رياح الخريف هذا العام ساعدت في تدمير تلك الفكرة التي تربينا عليها منذ نعومة أظافرنا بأن الفتاة هي الأم والزوجة والأخت والأبنة التي يلجأ لها الرجل في أوقات الضيق التي يمر بها لأنه لم يجد إلا هذا الركن الهادئ لكي يعبر عما بدخله بكل حريه دون حرج أو خوف, لأنه قد يأس من كثرة البحث عن من يشاركه همومه لكن لم يجد إلا هي لأنها الوحيدة القادرة علي تحمل تلك الأعباء معه بغض النظر عن المتابع التي ستعود عليها, وذلك لأنها عاهدت نفسها علي أن تتحمل قسوة الحياة معه, لكن لم تكن تتوقع أن يكون رد هذا الجميل الذي قدمته هو هتك عرضها في الشوارع بدمً بارد من ذئاب بشرية تتجول في الطرقات لا تجد من يُكبل حركتها الشنعاء التي دمرت شرف الكثير من الأسر لمجرد أن يلبي هؤلاء رغبه جنسية في عده دقائق ليس لها أي معني سوي أنهم قد غابت عنهم القيم الإنسانية والأخلاق الحميدة التي تعودنا عليها داخل هذا الوطن.
فما وصلنا له من تدني أخلاقي لم يكن وليد اللحظة ولكن كان تراكمت عبائها البشر في زجاجات عبر الزمان حتي أتي الوقت المناسب الذي طالما بحثت عنه لتعيد تلك القذارة التي أعتقد الإنسان انه بتخزينها في ذلك الزجاج أمراً بات من الماضي, لكنه جهل أن الأمر عندما يزداد عن حده يعود علي صاحبه بالسوء يوماً ما فمن يزرع الثوم لا يجني الريحان وهكذا فعل البشر فهم زرعوا الثوم في الماضي ليحصدوا بعد ذلك دمار أخلاق ذريتهم من بعدهم.
لا يمكن أن نحمل طرف بعينه ثمن تلك الجريمة البشعة التي تحولت إلي نار تأكل كل شيء أمامها دون أن تعطي صافرة إنذار قبلها, بل يتحمل هذا العبء الكثير من الأطراف كرجال الدين الذين جعلوا تعاليم الدين مقصورة علي المساجد فقط لا غير أما المؤسسات التعليمية التي يقضي فيها الإنسان ما يقرب من 16 عاماً من حياته لا يشغلهم تدريس تلك التعاليم العظيمة بها حتي تلك الكتاتيب التي كانت نموذجاً تنزين به القري ويعلو معها شأن ذلك المعلم الذي يعلم أبناء قريته تعاليم دينهم قد باتت ذكري من الماضي يتداولها من عاصروها وعاشوا تلك الأجواء الرائعة, والسبب الثاني المسبب لتلك المشكلة فهي الأسرة نفسها التي تعد المجتمع الأول الذي يتعلم فيه الإنسان أسس وقواعد الأخلاق ممن حوله, أما السبب الثالث فهو يشارك بنصيب الأسد في تلك الكارثة وهي وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز التي تعد وسيلة سهلة يستطيع من خلالها الأطفال والشباب أن يتجولوا حول العالم وهم في منازلة دون تفكير من بعضهم من الرسائل المشفرة التي تحملها تلك المعلومات التي ترسل لهم عن طريق المشاهد والألفاظ التي يتعرضون لها معظم الوقت, وما يزيد من وهل تلك الكارثة أنهم باتوا يتأخذون بعض من يأدون تلك الحركات ويتلفظون بتلك الكلمات أمامهم قدوه يجب أن تقلد في كل شيء تفعله لأنها أصبحت رمزاً يحتذي به داخل مجتمعه.
ونتيجة لذلك تتحول حياة أولياء الأمور إلي حلم فظيع لا يستطيعوا الخروج منه وذلك عندما يسمعوا من بناتهم أنهن ذاهبات لقضاء أمورهم سواء بغرض التعليم أو العمل أو للقيام بعملية شراء او شيء من هذا القبيل, ففي الحظة التي تسمع أذانهم أصوات الابواب تغلق خلفهم تقلع قلوبهم من صدورهم ويحتل الصفار وجوههم خوفاً من تلك الذئاب البرية في صورة بشر والتي قد ازداد صياحها تبحث عن فريسة جديدة لكي تقضي عليها دون وجه حق, فتلك الفتاة البريئة التي تسعي للعلم او العمل ذنبها الوحيد أنها وجدت نفسها في مجتمع تلاشت فيه القواعد الأخلاقية التي ذهبت مع من حفظوها جيداً وتركوا جيلاً من بعدهم لا يعرف عنها سوي تلك الكلمات التي تخرج من أفواه من سبقوهم الذين كانوا يرغبون في أن تترسخ تلك الأسس الحميدة في عقول من سيأتون بعدهم لكن هؤلاء قد خيبوا ظنهم وجعلوا حلمهم في مهب الرياح تذهب بها أينما هم ذهبوا, فقديماً قالوا " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " فنحتن الأن نعيش الزمان الذي عرفنا فيه جيداً المعني الذي تقصده تلك المقولة الرائعة.
You must be logged in to post a comment.