بعد مرور بضع شهور ولم يتغير شيء من قراري، حتى تم الطلاق بشكل رسمي، شعرت براحة بعدها وكأني تخلصت من كابوس ظننت أنني لن أفيق منه، وقتها لم أتردد في التواصل مع صديقاتي من أيام الجامعة ولاسيما من هم مع تواصل مع محمود حبي القديم، وحينما أخبرتهم بأمر طلاقي وكنت على علم من أنهن سيخبرن محمود بهذا الأمر، حتى وجدت اشعار بطلب صداقة في موقع التواصل الاجتماعي من محمود، خفق قلبي سريعا وكأن دمائي سيل منهمر يسري في عروقي، وقبلت الطلب وتحدثت إليه ووجدته يخبرني أنه لم يتزوج وحينما سألته لماذا وكأني انتظرت أن يخبرني أنه بسبب حبه لي، اجابني لأنه بالكاد يستطيع أن يعيش براتبه وأنه غير قادر لمسئولية الزواج في الوقت الحالي.
استمريت في التواصل معه من خلال الدردشة الالكترونية، كان يحاورني حتى يخلد لنومه،
- أتعلمين أني متحدث لبق للفتيات
- نعم، أعلم ذلك -وقد شعرت بوجع في قلبي وكأنه يعبث بي-
- ولكن المحادثة لا تتعدى العشر دقائق، إلا أنت محادثتك لا أرغب أن تنتهي ابدا.
- رفرف قلبي مجددا ولم أستطع أن أجد كلام للرد عليه سوى أن قلت: شكرا
- أتحاولين إخفاء مشاعرك بهذا الرد؟
- ماذا تريد مني يا محمود
- أنت تعلمين
- سأذهب للنوم ونكمل غدا
- كما تشائين
أنهيت المحادثة وخفت على قلبي من سرعة خفقانه، ذهبت لأنام ولكن محالة، لم أستطع النوم كلما تذكرت كلماته، أنهض من جديد لأرى المحادثة وأظل أنظر إليها طوال الليل، حتى غفوت من تعب التفكير.
استيقظت في قمة السعادة وأثناء عملي كنت منشغلة كيف سأرد على كلامه واعترافه، حتى قررت أن أعترف بمشاعري هذه الليلة، عدت المنزل وانتظرت محادثته ولكن لم يظهر واختفى تماما، تركت له رسالة أن يطمئنني عليه وذهبت للنوم حزينة وألوم نفسي، ربما تضايق أنه اعترف دون أن اعترف، وغفوت من كثرة التفكير مجددا.
وفي الصباح فتحت الدردشة لعله ترك رسالة ولكن دون جدوى، وبعد يوم شاق انظر فيه إلى الساعة من حين لأخر حتى يحين المساء لعله يتحدث إلي، وبعد أن عدت للمنزل ركضت إلى غرفتي انتظره دون جدوى، تركت الموبايل أفكر مليا أني أضعت فرصتي ولماذا أنا هكذا حتى قاطع حبل أفكاري اشعار من محادثة، خفق قلبي لعله هو وأسرعت لأتأكد، نعم، هو، هو....
- تركت لك مساحة لتفكري في ما أخبرتك به
- لا تفعل هكذا مجددا، لقد كنت بلا روح من دونك
- اعطني رقم جوالك أريد سماع صوتك
- هذا هو .....
- مرحبا رضا
- مرحبا محمود
- لا أصدق أني سمعت اسمي منك
- شعرت بفرحة ممزوجة باختناق لصوتي وأقول له: أخاف أن تتركني مرة أخرى
- لا تحزني حبيبتي فهذا كان اختبار لنا ولمعرفة حقيقة مشاعرنا
- حبيبتك؟
- ماذا تعتقدين؟ نعم محبوبتي الوحيدة، لم اكن أتوقع أني سأقع في الحب، فشلت كل الفتيات فجذب قلبي نحوهن، إلا أنت، انجذب إليك وكأن العالم كله بين يديك فقط
- وأنت أيضا كل عالمي
- أريد أن أراك، هل أقابلك في مكان عملك؟ أين هو
- لا، لا فهو بجوار منزل زوجي السابق
- ولماذا تخافين؟ هل تخافين أن يرانا زوجك؟
- لا، ولكن أخجل أن يراني ولم يمر على انفصالنا سوى شهور معدودة
- حسنا، هلا تقابلنا في أحد المقاهي
- نعم، ما رأيك في مقهى زمردة
- فكرة رائعة، سأنتظرك في المساء بعد الانتهاء من عملك
- حسنا، مع السلامة
- مع السلامة
ذهبت للقائه وكان مرتبكا قليلا ومتوتر وأنا كذلك ومع الوقت شعرنا وكأننا وحدنا في هذا العالم، ولم أشعر بالوقت حتى طلب مني الذهاب إلى الشاطئ، حتى يترك ذكرى لنا في كل مكان، ترددت في بادئ الامر ولكن غلبني شوقي ووافقت.
في اليوم التالي وقد اشتريت رداء جديد وحذاء جديد وذهبت في أناقة ولم أذهب للعمل وقضينا طوال اليوم بالشاطئ، اخبرني أن نذهب في هذا المكان مجددا الأسبوع القادم، تزينت واستعددت للذهاب مرة أخرى وأنا بالباب سمعت صوت أمي تدعو الله أن يهديني ويلهمني الصواب ويصلح من حالي، وقتها أدركت أنني على خطأ احتارت كثيرا حتى وجدت نفسي أبدل ملابسي وأذهب لأصلي واستغفر الله، وأخبرته أني أشعر أننا على خطأ ويجب أن يكتفوا بمحادثة الالكترونية، لم يعجبه الكلام وقرر يتركها مجددا.
توقعت ما بدر منه ولكني على استعداد لهذا، فإذا أراد القرب مني حقا يجب أن يتقدم لي وإلا فأنا على خطأ وهذا مجرد عبث ليس حب، مر اسبوع دون أن يسأل عني وكنت أبكي كثيرا وأقضي ليلي في حزن عميق، حتى اتصل بي ذات يوم، خفق قلبي وأجبته دون تفكير، فأخبرني أن أقابله للتحدث في أمور هامة.
ذهبت إليه وأنا أخشى أن يجذبني إليه من جديد دون أن يتقدم خطوة،
- لقد تركتك هذا الوقت لأفكر ماذا نستطيع أن نفعل
- وبماذا توصلت
- أنا لا أستطيع أن أتزوج في الوقت الحالي، فكرت لأجد حل وسط أن اتزوجك في شقة إيجار، وأنت لديك أثاث منزلك السابق وراتبي بالاضافة إلى راتبك نستطيع ان نعيش جيد.
- هذا حل جيد وأوافق عليه بالطبع
وبعد فترة قصيرة تزوجت، رغم اصرار أمي للتفكير جيدا، ولكن كنت لا أرى سوى حياتي معه، وكنت أذهب لأطمئن عليها من حين لأخر، ويبدو أني على صواب فقد عشت بالسعادة التي حلمت بها اخيرا.
مرت شهور ومحمود متغير قليلا، كان يغار علي وكنت سعيدة بذلك ولكن أصبحت غيرته غير طبيعية، كان يطلب مني إغلاق النوافذ ويذهب معي للتسوق ليس ليساعدني ولكن ليطمئن أنه لا يقترب مني أحد، كان يبعدني عن نظرات العالم، حتى أني شعرت باختناق، فالحب الذي يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، وكأني أختنق بحبل من ألماس، حتى أنه طلب مني ترك العمل وتوفير إيجار شقتنا الحالية والعيش مع أمي فهي بحاجة إلي وهي مسنة، رغم أن اقتراحه أفضل لي ولكن لم تكن نيته للاطمئنان على أمي ولكن لأترك العمل بسبب غيرته، وحينما رفضت صفعنيى بكفه على وجهي حتى أفقدني الوعي، وبعد أن أفاقت لم أصعب عليه لحظة وأصر على طلبه، فاستجبت له لعله يرتاح ويكف عن غيرته.
شكيت لأمي وأخبرتني بكلمات أختي دعاء، اقتربي من الله فهو وحده منجيك من ابتلاءك، أقبلت على الله وقد علمت أني لم أكن أعلم الخير لي حقا، شتان بين زوجي السابق وزوجي الحالي، كم شعرت بعطف زوجي السابق ولم يجرؤ على مد يده علي، كم كان يود ارضائي بكل الطرق، يساعدني بحب ويثق بي ويعاملني معاملة حسنة، لقد كنت مخطئة فالحب وحده لا يبني أسرة مستقرة هادئة.
عاد من المنزل وتفقد جميع النوافذ وقرر أن يغلق أي منفذ حتى للهواء، وقطع عني جميع الاتصالات سواء هاتفية أو الكترونية، حتى أنه أصبح يغار إذا تحدثت إلي جيراني، لم أستطع التحمل وطلبت منه الانفصال، انهال علي بالضرب وقال أنت لي وحدي لن أتركك ابدا، لم أشعر بعدها بنفسي حتى وجدت نفسي بالمشفى، وأخوتي من حولي وأخبر أخي الكبير عامر زوجي محمود أنه إن لم يطلقني فسيخبر الشرطة ويقدم به محضر، حاول أن يطلب سماحي وإعطائه فرصة وأنه لا يستطيع العيش بدوني ولكن بلا جدوى فقد تحول الحب لكره، كنت كالسجينة بقفص ذهبي فلن أهتم إذا كان ذهب أو ألماس فسيظل سجن مهما كان.
هرولت إلى حضن أمي وأبكي وكأني اغسل أحزاني، فقالت لي لا تحزني عزيزتي فقلت لك، مع الله لن يهلكك بلاء ولا ابتلاء، اقتربت من ربي واستشعرت آيات القرآن وكم السعادة الحقيقية وأنا في معية الله، اشتد مرض أمي واخبرتني أنها لن تتركني وحدي فستتركني في رعاية الله وأخر كلمتها احفظ الله يحفظك، اتق الله، ثم لم تستطع الحديث وتألمت كثيرا، بكيت وهي تحتضر أمامي وليس لي حيله في ذلك ،توفت أمي وتوفى معها الحضن الدافئ والقلب الوحيد النابض بحبي بصدق في هذا الكون.
حضر العزاء زوجي الاول، ولم يتزوج بعد، وحاول مساندتي ودعمي وإخباري أنه سند لي حتى أقوم على قدمي من جديد، شعرت وكأن رضي الله عنها ورضيت أمي عني وشعرت بالرضا وأصبح لي من اسمي نصيب، أخبرته بعيني أني أود الرجوع إليه وهو أخبرني بعينيه وهو لم ينسى ذكرياته معي ابدا ولم ولن يأخذ أحد مكاني في قلبه، رغم أنه لا يجيد التعبير عن ذلك الحب إلا أنه كان حبا صادقا وهو حب العشرة وكما أخبرتني أمي عن الحب الحقيقي هو ما يولد بعد الزواج.
You must be logged in to post a comment.