شعلة الحياة 🔥

في تلك الليلة الباردة، التي أخذ الهواء يلفح بها جسدي الهزيل،وصوت العاصفة يئن في أذناي ونسمات الصقيع تلعب بالجوار،وتسدد أهدافا من ثمار الزيتون على رأسي،وجفوني يتسامران على فتح عيناي أو أخذ قيلولة لا تصل إلى جزء من الثانية، كانت هناك إلى جانبي، ترتدي ذلك المعطف البنفسجي، أشبهتها بالزهرة المتفتحة وسط تلك الحشود من سنابل القمح ،تطل علينا بوهج بياضها الناصع وعبقها الشهي، ونور وجهها الذي يسطع على بعد أمتار كثيرة.

أخذ قلبي الصغير يرجف عندما أسدل الصقيع بثوبه وكساه به، لفحات تلك العاصفة خدرت أطرافي، استمريت بالنظر إليها لأجدها تنقب عن حبات الزيتون الصالحة، أعجبني أمرها فهي لا تريد بأن يتلف الزيتون الفاسد أخلاق الزيتونات الصالحات، ولكن أمي لطيفة بأن تفكر فصلهما حتى تعصر سيئات ذلك الزيتون التالف وتصنع بحسناته زيتا لنا، ولتبقى آثامه علفا للحيوانات، نعم هذه أمي، تلك المرأة التي عندما فتحت عيناي على هذه الدنيا، لأجدها تنظر الي بابتسامة المجاملة التي تظهرها لنا،لتخبئ وراءها غصات سنين ودموع دهور وكتمان أعوام، كانت ترصد حركاتي بعينين يملؤهما الحب والحنين.

أسقطت أنظارها نحوي لتجدني جالسة بكل هدوء أبحث عن جماعات الزيتون الصخرية،رأت رعشة جسدي ورجفة شفتاي،خلعت ثوبها المطرز بدفئ مشاعرها وألقته على كتفاي،حوتني وضمتني إلى صدرها الشرح،وأخذت أناملها تداعب شعري المنسدل،قالت لي بحنان ..."يا طفلتي كم أنا سعيدة بتواجدك بجانبي، فلتذهب هذه الريح القاسية بعيدا عن هذا الكيان البريء“،كلماتها دارت في مخيلتي إلى هذا اليوم،ذلك المعطف الذي شهد على لحظات الهيام سيبقى خالدا في عقلي،قاطعتها لأجد نفسي متفوها بكلمات البراءة ،"بل انا التي سعيدة بتواجدك معي يا أمي، أحبك للأبد“،كلماتي رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها،سعدت لأني أنا من صنع تلك الإبتسامة الساحرة،شعرت بأني فعلت انجازا عظيما لتوي،مضي من الوقت بضع دقائق وأنا متربعة في أحضانها الدافئة،كانت السبب بإشعال شعلة قلبي بنيران حنانها،حتى عادت كل منا إلى عملها، كم اشتهيت بأن تدوم هذه اللحظة للأبد، وأن تتوقف ساعات الكون كلها، ولكن واقع الأمر مختلف تماما.

ذلك اليوم الذي تربت بين ضلوع ذاكرتي إلى هذا اليوم وأنا أوافق سن السادسة عشر، جعلني أندم على كل ذنب اقترفته بأمي،كانت زهرة يافعة وأخذت تذبل شيئا فشيئا، أمي أنا متأسفة على كل يوم جعلتك تندمين فيه على إنجابي، تلك الرياح القاسية التي لم يقاومها جسدي في السابعة من عمري،أخاف أن تنكزك وتأخذك بعيدا عني، أدعو العظيم الذي خلقني من عنق رحمك الطاهر يا حبيبتي، أن يبقيك أملي الذي أعيش لأجله،نعم فقد رزقت بأرق حواء على وجه الكرة الأرضية، بل على وجه الكواكب كلها، أحبك يا أمي، دمت لي سندا وعونا.

                                                  صغيرتك المدللة: رؤى

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٤ م - شروق
About Author