كُــــن حاضــــــراُ ..

هناك اعتقاد سائد بأن ذاكرة الأطفال مؤقتة تزول مع الزمن فلا نأبه لما يرونه أو يسمعونه أو يشعرون به أو حتى مانقوله لهم وما نقوم به معهم لأنها جميعها زائلة هذا صحيح لكنه اعتقاد خاطئ تماماً فمشاعر الحزن والفرح والغضب تُزرع في نفوسهم بل وتنمو معهم حتى وإن زالت المواقف المسببة لها .

فالأجواء المحيطة بالطفل خاصة من مرحلة الإدراك والوعي إلى سن المراهقة تؤثر بشكل كبير عند البلوغ العقلي قبل الجسدي فعندما يبلغ العقل هذا يعني الإدراك التام لما نقوم به أو نفكر به وعواقب أفعالنا وأقوالنا وحتى القدرة على تصويب الأخطاء لأنفسنا ولمن حولنا وهنا يأتي حصاد مازرعه الوالدين ثم المحيط والمؤثرات الخارجية الآخرى 

لكن ما يهمني هو تسليط الضوء على مايزرعه الآباء دون إدراك ووعي منهم في نفوس أولادهم فعندما لا تكون حاضراً عندما يتطلب الموقف ذلك, ستخسر فرصتك أمام ما ستحاول فعله بعد فوات الأوان .

إذا طلبتُ منك الآن أن تُحضر ورقة وتكتب كل الأمور التي تراها صحيحة ويجب عليك فعلها ونظيرها الخاطئ, أنا على يقين من أنها ستكون مطابقة لما تعلمته في حياتك إلى اليوم من الصفات الجيدة والأفعال الصحيحة إلى مالا يجب فعله وهذا صحيح ومنطقي جداً فنحن نتفق على أننا جميعاً نستطيع أن نكون جيدين لكن ليست كل أفعالنا صحيحة إن لم تكن جميعها كذلك !!

وهذا ينطبق تماماً على الوالدين وهنا تأتي مهمتهم وحضورهم وكيانهم الراسخ فعندما تُشدد على أمر ما وتريد أن يكون أولادك مثالاً يُحتذى به هنا أنت تأخذ المنحى الخاطئ تماماً للتربية السليمة بل هو النقيض لها ؟!

فأنت أيضاً مررت بكل مامرَّ وما سيمر به ابنك او ابنتك من مراحل نموهم فلماذا تبحث عن النسخة الكاملة من الأدب والأخلاق الرفيعة التي كان والديك يرجونها منك لترجوها أنت من اولادك. اعلم أنهم سيقعون كما وقعت وربما أكثر وسيكذبون كما كذبت وربما أكثر وسيخطئون كما أخطأت وربما أكثر ..

فلا تتعامل معهم كما لو كانو آلات بمجرد أن تُدخل المواصفات التي ترغبها وتتمناها فيهم ستخرج على هيئة أوامر يقوم بتنفيذها دون جدلٍ أو نقاش اعلم أنك في هذه الحالة ترتكب أكبر خطأ في حقه وفي حق نفسك.

فالتتمالك نفسك قليلاً وانظر إلى الأمر الواقع فإنه ابسط بكثير. تعامل معهم بكل رفق وحنان عندما يتطلب الأمر ولاتحرمهم من القرب منك أبدااا وكُن صارماً غاضباً بحرص ليشعروا بالحب والاهتمام من هذا التشدد. عاقبهم, عاتبهم, ليشعرو بالمسؤولية والانضباط وأهميّة كل ماتفعله من أجلهم لا عليهم, اجعلهم يتماسكون لا يتبعثرون.

لا تفرض عليهم أن يقدموا لك البر قسراً كأنه دين بل اجعلهم يُقدمونه بكل حب وامتنان ولا تذكرهم بما فعلت من أجلهم فهم لن ينسو ذلك البتة بل سيتناسوه بتكرارك لمافعلته على مسامعهم مراراً وتكراراً.

اعلم أنه عند سن المراهقة انتهى التلقين ولا تنفع الأوامر الترباوية فقد حان وقت الحصاد لما زرعته ولايُجدي نفعاً ما ستحاول تغييره بل فقط قم بريّهم عبر النصح والتوجيه فهُنا يتطلب منك الأمر أن تكون صديقاً مُخلصاً وأن تكون صديقاً يعني أن تستمع حتى لأخطائهم بكل صبر وأن تحاول بجهد أكبر أن تكون متفهماً وحليماً.

 فقط كُــــــــن حاضــــــــراً ...  

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٢ ص - عبد الفتاح الطيب
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١٢:٤٤ م - Sarora Fayez
يوليو ٢٠, ٢٠٢٢, ١٢:٤٣ م - Ahmed Abdel Hameed
مارس ١٠, ٢٠٢٢, ٩:١٨ ص - Sarora Fayez
About Author

أنا لست شخصية مجهولة بل ربما أتواجد بكلماتي في قلوب الكثير منكم