يقضي البشر ما يقرب من ثلث حياتهم نائمين. إن عدم النوم سوف يجعلك – حرفياً – مصاباً بالذهان ، وفي النهاية قد يؤدي بك إلى الوفاة. من الواضح أن النوم أمر بالغ الأهمية لقدرة الجسم على العمل. لكن لا أحد يعرف ما يفعله النوم بالفعل. نحن نعرف جيداً سبب حاجتنا للأكل والتكاثر مثلاً ، ولكن ليس من الجلي سبب حاجتنا للنوم على الإطلاق. هناك عدد قليل من النظريات حول السبب الذي يدفعنا إلى النوم ، وعلى الرغم من أن أياً منها ليس متيناً ومتناسقاً على وجه التمام ، إلا أن القليل منها يحاول شرح ما يحدث كل ليلة. يقول الباحثون إن النوم هو المفتاح لقدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه - وهي ميزة تسمى الليونة.
مراحل النوم
ليس من الصعب إثبات أهمية النوم. تموت الفئران المحرومة تمامًا من النوم في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ، وفقًا لبحث أجراه عالم النوم الرائد في جامعة شيكاغو آلان ريشتشافين. لم يقم أحد بإجراء تجارب مماثلة على البشر. لكن دراسة نشرت في مجلة علم الأعصاب عام 2014 وجدت أن مجرد 24 ساعة من الحرمان من النوم تسبب في إصابة الأشخاص الأصحاء بالهلوسة وأعراض أخرى تشبه مرض انفصام الشخصية.
أحد أسباب صعوبة فهم سبب نومنا هو صعوبة عزله ودراسته. بحسب ماركوس فرانك ، عالم الأعصاب في جامعة واشنطن فإن دراسات الحرمان من النوم هي الطريقة الأكثر شيوعًا لدراسة النوم ، لكن حرمان حيوان من النوم سوف يعطل العديد من أنظمته البيولوجية لذا فإنه من الصعب معرفة النتائج التي تُعزى مباشرة إلى الحرمان من النوم بدلاً من التوتر على سبيل المثال.
سبب آخر يصعب فهمه هو أن الدماغ قد يقوم بأمرين مختلفين خلال مرحلتي النوم الرئيسيتين. مع حلول الليل ، يتنقل الأشخاص الذين ينامون بين مرحلتين من النوم : حركة العين غير السريعة (non- REM) وحركة العين السريعة (REM) .
يتميز النوم غير الريمي (non-REM) بموجات دماغية بطيئة تسمى موجات ثيتا ودلتا. في المقابل ، فإن النشاط الكهربائي للدماغ أثناء النوم الريمي (REM) يشبه إلى حد كبير ما يحدث عندما يكون الشخص مستيقظًا ، لكن عضلات جسمه مشلولة. إذا كنت قد عانيت من قبل من شلل النوم ، فذلك لأنك استيقظت من نوم حركة العين السريعة قبل انتهاء هذا الشلل.
لقد وجدت الدراسات اختلافات في بيولوجيا الدماغ خلال هذه المراحل المختلفة. على سبيل المثال ، أثناء النوم غير الريمي ، يطلق الجسم هرمون النمو ، وفقاً لمراجعة أجريت عام 2006 لبيولوجيا النوم نشرها ماركو فرانك في مجلة Reviews in the Neurosciences. ووجدت المراجعة أيضًا أنه أثناء النوم غير الريمي، يزداد إنتاج بعض بروتينات الدماغ ، وتصبح الجينات المشاركة في إنتاج البروتين أكثر نشاطًا. وفي المقابل ، أثناء النوم الريمي ، لا يبدو أن هناك أي زيادة في هذا النوع من نشاط إنتاج البروتين.
ماذا نعرف عن النوم؟
بحسب ماركو فرانك فإن أحد الاستنتاجات التي تمخضت عنها أبحاث النوم هي أن النوم يبدو ظاهرة تركز إلى حد كبير على الدماغ. على الرغم من أن الحرمان من النوم يؤثر على جهاز المناعة ويغير مستويات الهرمونات في الجسم ، إلا أن تأثيره الأكثر تكثيفاً على الحيوانات يكون في الدماغ. ربما كانت هناك أشياء أخرى أضافها التطور إلى الوظيفة الأساسية للنوم ، لكن الوظيفة الأساسية للنوم لها علاقة بالدماغ على الأرجح.
في الواقع ، هناك بعض الأدلة على أن النوم هو مجرد شيء تفعله الخلايا العصبية عندما تكون في حالة ترابط أو تشابك.
هذا يمكن أن يفسر لماذا تظهر أبسط الكائنات الحية سلوكيات تشبه النوم. الربداء الرشيقة مثلاً (Caenorhabditis elegans) ، وهي دودة صغيرة تحتوي على 302 خلية عصبية فقط ، تمر بفترات هادئة وخاملة تشبه النوم .
ماذا يحدث أثناء النوم؟
لدى العلماء عدد من النظريات. أحدها هو أن النوم يحاول أن يستعيد طاقة الدماغ ، وفقاً لمراجعة أجريت عام 2016 ونشرت في مجلة Sleep Medicine Reviews
أثناء النوم غير الريمي ، يستهلك الدماغ حوالي نصف كمية الجلوكوز فقط كما يفعل تماماً في حالة الاستيقاظ.
ولكن إذا كانت فكرة أن النوم يستعيد طاقة الدماغ صحيحة ، فإن العلاقة بين النوم واستخدام الدماغ للطاقة ليست مباشرة. على سبيل المثال ، أثناء الحرمان من النوم ، فإن تفكيك الدماغ لمصدر الطاقة المسمى بالجليكوجين يزداد في بعض أجزاء الدماغ ولكنه يتناقص في أجزاء أخرى.
فكرة أخرى هي أن النوم قد يمكّن الدماغ من التخلص من المنتجات السامة التي تنتج عندما نكون مستيقظين. يعتبر الدماغ مستهلكًا ضخمًا للطاقة ، مما يعني أنه ينتج أيضًا الكثير من النفايات. وتشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن النوم هو الوقت الذي يقوم فيه الدماغ بتنظيف نفسه.
ربما تكون النظرية الواعدة للنوم حتى الآن هي أنه يلعب دورًا رئيسيًا في اتصال الدماغ ومرونته . الليونة تساعد على تحسين التعلم ووظائف الذاكرة. وعلى الرغم من عدم وضوح الكيفية التي يحدث بها ذلك، إلا أن الكثير من الأدلة تشير إلى أن فقدان النوم يمكن أن يسبب مشاكل في الذاكرة ، وخاصة الذاكرة العاملة ، وهي العملية التي تتيح للأشخاص الاحتفاظ بالمعلومات بطريقة يسهل الوصول إليها أثناء حل مشكلة ما. يعاني الأشخاص المحرومون من النوم أيضًا من اختيار ما يجب الانتباه إليه وتنظيم عواطفهم .
إحدى الطرق التي قد يؤثر بها النوم على مرونة الدماغ هي من خلال تأثيره على نقاط الاشتباك العصبي أو الروابط بين الخلايا العصبية. أظهرت الأبحاث أنه عندما تتعلم الحيوانات مهمة جديدة ، يبدو أن خلاياها العصبية تعمل على تقوية الروابط المشبكية المشاركة في تعلم هذه المهمة خلال دورة النوم التالية .
في التجارب التي قام فيها الباحثون بوضع رقعة على إحدى عيون حيوان ، ضعفت دوائر الدماغ المرتبطة بالمعلومات المرئية من تلك العين في غضون ساعات ، وفقًا لبحث أجرته جولي سيبت وزملاؤها من جامعة سري –بريطانيا . ومع ذلك ، فإن نوم حركة العين السريعة عزز الدوائر التي تشمل العين الأخرى ، مما يشير إلى أن الدماغ يستخدم النوم للتكيف مع المدخلات المتغيرة.
في المستقبل ، قد نلتمس فهماً أفضل لآلية النوم من خلال أبحاث تتركز على دراسة الخلايا الدبقية. هذه الخلايا الدماغية كان يُعتقد في السابق أنها خاملة إلى حد كبير ، ولكن مؤخراً تم اكتشاف أن لها مجموعة من الوظائف.
عدد هذه الخلايا يفوق عدد الخلايا العصبية ثلاثة أضعاف. قد تتحكم الخلايا الدبقية في تدفق السائل الدماغي الشوكي في جميع أنحاء الدماغ ، مما يؤدي إلى التخلص من النفايات الأيضية أثناء النوم . ويمكن أن يتم حل لغز النوم مستقبلاً من خلال فهم ما يفعله هذا النوع من الخلايا على وجه التحديد.
You must be logged in to post a comment.