الموت والحياة عبارة عن الدنيا والآخرة وقد سميت الدنيا موتاً لأن الموت فيها فهي غير مخلدة وكل ما فيها إلى أجل وسميت الآخرة بالحياة لأنه لا موت فيها فخلود إلى الأبد.
إنَّ الإنسان الذي يعقل معنى وجوده ولماذا خلقه الله تعالى هو إنسان لا يقدر بثمن وأشير هنا إلى أنه على طريق الحق يتهاوى الكثير ويتساقط الكثير حتى تبقى الثلة الصادقة المتمسكة بدين الله حقا علما وعملا، قلبا وقالبا قال الله جل جلاله: (وثلة من الآخرين).. واعلم يا أيها الإنسان أنك من دون عقيدة ليس لك أي قيمة.. لا تساوي أي شيء، فالإنسان الحقيقي هو الإنسان المؤمن وإلا فلا يستحق لقب إنسان.
منذ قدم التاريخ وقد عبد الإنسان أشياءً كثيرة كالكون مثلا وهناك مجموعات عبدت الشمس ومجموعات عبدت النجوم ومجموعات السماء وأخرى عبدت الحيوانات وأخرى عبدت غيرها من البشر وكلها مخلوقات خالق واحد سبحانه لا إله إلا هو إلا أن هذا بحد ذاته يدلنا على الحاجة الملحة في نفس الإنسان لوجود إله يعبده إذ أن النفس لا يمكن لها أن تستقر وتطمئن إلا أذا تألّهت أي شعرت بوجود قوة خارجية تحتمي بها وتركن إليها وتناجيها وتتنسك وتتعبد لترضيها فالنفس البشرية مفطورة على العبادة.
وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته قال تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لأنه محتاج إليهم ولا محتاج إلى عبادتهم ولكنه سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه وعبادته هي محبته والتذلل والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم. كما في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
إنّ الغاية التي خَلق الله -عز وجل- من أجلها الجنّ والإنس هي عبادته وحده، قال الله جل في علاه في كتابه الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) وهو سبحانه غير محتاج لهذه العبادة فهو الخالق الرازق ذو القوّة المتين وهذا الكون يدلّ على قدرته وعلمه وكل ما في هذا الكون يسبّحه ويعبده فإن عرف الإنسان ذلك قام بالغاية التي خلقه الله من أجلها، وحقّق عبوديته لربه كما وأن وقوع الخطأ والمعصية من الإنسان أمر طبيعي إلى حد ما ولكن عليه أن يسارع إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله ثمّ إن الذنوب قد تكون سبباً للرجوع إلى الله والإقبال عليه لأنّها تدفع الإنسان لِأن يطلب العفو من الله ويتذلّل بين يديه.
حاجة الإنسان للعبادة تتوضح في أهميّة العبادة كونها الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها والتي أرسل الله سبحانه وتعالى من أجلها الرسل.
قال الله تعالى: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ) وبها وصف الله الملائكة، فقال سبحانه: (وَلَهُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ وَمَن عِندَهُ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَلا يَستَحسِرونَ) وكذلك وصف الله بها عباده المقرّبون وبين من خلال الآيات القرآنية أنّ الإنسان هو المستفيد من عبادته لربّه، وأنّ الله لا حاجة له بذلك فهو الغني الذي يفرّج الهمّ، ويكشف الغمّ، وينفّس الكرب، ويقضي الحاجات، ووعد الله سبحانه عباده بالراحة والطمأنينة والسعادة، فقال: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ).
جعل الله خلق الإنسان على الفطرة السليمة، ويعني هذا أنّ الله تعالى أودع في تكوينه ووضع فيه إحساساً روحياً من شأنه أنْ يقود خطاه إلى الصراط المستقيم في باب توحيد الله وعبادته وتحقيقاً لثبات سلامة هذه الفطرة من الخلل أو الخطأ فقد أيده اللع سبحانه وتعالى بالرسل والأنبياء وأنزل معهم وحي السماء حتى يبينوا للناس طرق العبادة وسبل النجاة، ومنهج الحقّ.
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: أن الرب سبحانه كامل في أوصافه وأسمائه وأفعاله فلا بد من ظهور آثارها في العالم، فإنه محسن ويستحيل وجود الإحسان بدون من يحسن إليه ورزاق فلا بد من وجود من يرزقه، وغفار وحليم وجواد ولطيف بعباده ومنان ووهاب وقابض وباسط وخافض ورافع ومعز ومذل وهذه الأسماء تقتضي متعلقات تتعلق بها وآثار تتحقق بها، فلم يكن بد من وجود متعلقاتها وإلا تعطلت تلك الأوصاف وبطلت تلك الأسماء، فتوسط تلك الآثار لا بد منه في تحقق معاني تلك الأسماء والصفات فكيف يقال أنه عبث لا فائدة فيه وبالله التوفيق.
You must be logged in to post a comment.