مقتطفات من حكايات ساخرة

بعد أن اعتلى منبر الخطابة، واحتكر لاقط الصوت ساعة من الزمن، تحدث فيها عن نفسه، وأسهب عن تضحياته، وعن ضميره الواعي... عن إخلاصه وأمانته ووفائه. وبعد أن عدّد مزاياه وخدماته وقدراته. اعتذر من الحاضرين بلطف، وقال: لقد تكلمت عن نفسي. وإذا كنتُ قد أطلت فهذا أمر له مايبرره... ثم أضاف مبتسماً: ولأنني ديمقراطي، لن أنفرد بالحديث عن نفسي... ولهذا أترك المجال لكم.. للحديث ... عني.

.. 

سألت الطفلة أباها، وهي تنظر إلى ثوبها الذي تهلهل نسيجه، وبهتت ألوانه: متى تشتري لي ثوباً جديداً؟! قال الأب بحنان: غداً. واللعبة التي وعدتني بها؟! غداً... قالت: متى يكون لنا بيت واسع، وحديقة تزّينها أزهار ملونة؟! لم يجد جواباً، فقال متردداً والغصّة في حلقه: غداً... قالت معاتبة بدلال: غداً... غداً!! منذ زمن طويل وأنت تقول غداً، فمتى يأتي الغد؟! صمت طويلاً... ابتلع غصته، وسرح مع أفكاره التي تشتتت وشردت كخيول جامحة. احتضن الطفلة، ضمّها إلى صدره، رفع رأسه إلى السماء، وقال بصوت يائس حزين: غداً.. عندما تشرق الشمس. مساءً... تكوّرت الطفلة في زاوية الغرفة الوحيدة في البيت القديم، تحلم بالثوب واللعبة والبيت والحديقة رغم شدة البرد وقسوة الجوع. وفي الصباح.. أشرقت الشمس، ورأت في عينيها دمعتين تنحدران على وجنتيها، فتوارت واحتجبت وراء الغيوم بخجل

.. 

دنا بخطى هادئة، فتريث المدير ونظر إليه نظرة فاحصة. كان ممتلئ الجسم، يميل إلى السمنة، يكاد الدم أن يطفر من وجنتيه، ابن نعمة، أو ابن رجل حديث النعمة، كما يبدو من هيئته وثيابه. وقبل أن يرفع العصا، سأله: مااسمك؟ جفل المدير، وتبدلت قسمات وجهه عندما لفظ الطالب اسمه وكنيته. ووقع في حيرة من أمره. سمع نقرات خفيفة على الباب، ثم دخل طالب ثان، من عامة الطلاب الذين قذفتهم إليه الحارات الشعبية.. أرسلته معلمته لأنه نسي الوظيفة. نقل المدير بصره بينهما، وقال بلطف للأول: انظر يابني. هل تعلم ماهي عقوبة من يخالف النظام؟ قلب الطالب شفتيه ولم ينطق بكلمة وكأن الأمر لايعنيه. أضاف قائلاً: أصفعه هكذا. وهوى بكفه على وجه الثاني الذي فوجئ بما لم يكن يتوقع. وهل تعرف عقوبة من يتطاول على الآنسة؟ .... أضربه بالعصا.. هكذا. تلقى الثاني الضربة بيده، وقال باكياً: أستاذ... هو من تطاول وليس أنا. صرخ المدير غاضباً: وتجرؤ على الرد ياكلب؟! خذ هذه، وهذه. ضربه بالخرطوم والعصا، وصرخ به: أنت مطرود، ولن تدخل المدرسة إلا بعد أن يأتي ولي أمرك. ثم التفت إلى الأول وقال له بلطف مشيراً إلى الثاني: هل رأيت؟! هذا جزاء المخالفين والمتطاولين. والآن.. اعتذر من مدرّستك وعد إلى صفك.

 

المصدر:حكايات ساخرة

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٤ ص - عبد الفتاح الطيب
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٤ م - شروق
About Author