العشق اسم لما زاد عن الحب فهو
خفي إن ذكرت محبوبك عنده هاج وفاض وإن سكت توارى واختفى وأول ما يدخل العشق قلبك بالنظر إلى حبيبك فهذا أوله وما قبله حب فحسب وقد كان الحبيب فيما مضى يشق برقع حبيبته ليتمكن منه العشق وهي تشق رداءه حتى لا يعرض بينهما البغض وقد قال في ذلك عبد بني الحسحاس
كم قد شققنا من رداء محبر ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد برقع من الحب حتى كلنا ليس لابس
ومن علامات العشق ذكر الحبيب ووجد ريح روحه وهذه لطيفة دقيقة وقد كان أعرابي يقول إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها رائحة المسك. فمن وجد في أحشائه أثر الشوق ونار الهوى فقد بلغ درجة العشق وفي ذلك أنشد الأخفش الحداد
مطارق الشوق منها في الحشى أثر يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كور الهوى في الجسم موقدة ومبرد الحب لا يبقي ولا يذر
وكان ثمامة يقول العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه ضيقة ومذاهبه غامضة وأحكامه جائرة ملك الأبدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها وأعطى عنان طاعتها وقوة تصريفها توارى عن الأنظار مدخله وخفي عن القلوب مسلكه.
هذا وللعش آثار جميلة فقد روي عن شيخ بخراسان له أدب ومعرفة أنه قال لسليمان بن عمرو ولأصحابه أنتم أدباء ولكم حداء ونغم فهل فيكم عاشق فقالوا لا فقال لهم اعشقوا فإن العشق يطلق اللسان ويفتح جبلة البليد والبخيل ويبعث على التلطيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشرف الهمة.
ولذلك من وقع في هذا الشراك ولم يبلغ محبوبه عذب للفراق وبعد الوصل وكان من فرط ما ذكر الفتح بن خاقان قوله
أيها العاشق المعذب صبرا فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحط للذنب من غزاة وحجة مبرورة
وبلغ شوق العشاق وهو من أظهر علامات العشق أن بالغ شيبان العذري في وصف حاله بقوله
لو حز بالسيف رأسي في محبتها لطار يهوي سريعا نحوها رأسي
فمن وجد روحه معذبة في سبيل حبيبه فهو عاشق يقينا وعذاب العشاق لا يقسم بين الخلق لشدة أثره. ومن عشق وكتم وصبر أجر أجرا عظيما لعفته وحيائه وخوفه من الوصال الحرام
You must be logged in to post a comment.