على عكس ما يعتقد الكثير من الناس فالموت ليس مرحلة واحدة فقط بل يمر الإنسان قبل خروج الروح من جسده بعدة مراحل وعلى أساس الأدلة القرآنية والتدبر في آياته للموت وجد أنه يتكون من ستة مراحل وفيما يلي سنقوم بتوضيحها بالتفصيل:
المرحلة الأولى
يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ). يوم الموت، وهو اليوم الذي يأمر فيه الله سبحانه وتعالى ملائكة السماء أن فلانا قضي عليه أمر الموت في هذا اليوم فتتنزل آلاف الملائكة من السماء حتى تهيىء الروح للقاء الله عز وجل وليس من الضروري أن يشعر الإنسان أو من حوله بهذا اليوم في هذه المرحلة.
المرحلة الثانية
سحب الروح من أخمص القدمين تدريجيا، في هذه المرحلة تبدأ الملائكة بسحب الروح ابتداءً من القدمين ثم الساقين ثم الركبتين ثم الفخدين ثم الفرج ثم البطن ثم الصدر وصولا إلى التراقي وهما عظمتين تقعان فوق الصدر وأسفل الكتفين قبل عظم الرقبة، وقد يشعر الإنسان في هذه المرحلة بتعب أو ضيق شديد ولكن في الغالب من غير أن يعرف بأن روحه تسحب من جسده بعد.
المرحلة الثالثة
يقول الله جل جلاله: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ). التراقي، وفي هذه المرحلة يظهر على الإنسان أول علامات الموت فتجد الناس من حوله يتساءلون ما به ويحضرون طبيبا ليعالجه وشيخا ليرقيه وحتى هو مايزال يمتلك أملا بالعودة فلم يأته اليقين بالموت بعد ولكن الجسد قد برد وخرجت منه الروح وتوقفت القدرة على تحريكه.
المرحلة الرابعة
يقول الله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) الحلقوم، إنها مرحلة صعبة خشنة على الميت ففيها يرفع الحجاب عن الميت ليرى أعماله تمر أمامه كشريط ويرى الملائكة بأم عينيه فلا شك بعد ذلك بوعود الله وحقيقة الدنيا والآخرة فيتقين حينها من أنه مفارق للحياة لا محالة، ويقول تعالى فيما يصف هذه المرحلة: (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) وفيها أيضا يتبوء الإنسان مقعده من الجنة أو يرى مقعده من النار أعاذنا الله منها. وفي هذه المرحلة أيضا تحدث فتنة الممات، الفتنة التي لطالما تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم وعلمنا أن نتعوذ منها بعد كل صلاة، هنا يحاول الشيطان أن يستغل آخر فرصة أمامه قبل خروج الروح فيبذل جهده ليرد المسلم عن دينه ويثبت الكافر على كفره وهنا تظهر قوة الإيمان فمن عاش على شيء مات عليه ومن لم يتمكن الإيمان من قلبه حقيقة قد يفتن في هذا الموضع ويفارق الدنيا كافرا والعياذ بالله وهنا يتهيىء الشيطان بهيئة شخص قد فارق الحياة من قبله ويحاول أن يرده بأن يخبره أنه مات قبله وعرف أن الإسلام ليس دين الحق والنبي لم يأت بدين الحق ويحاول أن يجعله يكفر، قال الله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ). وقال جل في علاه: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ).
المرحلة الخامسة
قال الله جل في علاه: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ). وفي هذه المرحلة ينزل الملائكة إما بكفن من الجنة أو بكفن من النار فتقبض روح المؤمن بلين وتصبره الملائكة بما يشعر به من السكرات وتذكره بالنعيم المنتظر وأما الكافر فيقبضون روحه بشكل مؤلم فتحاول أن تهرب إلى يده أو قدمه أو صدره إلا أنها لا تنفذ فتدخل هنا المرحلة الأخيرة وهي مرحلة دخول ملك الموت عليه السلام.
المرحلة السادسة
هنا وقد تهيأت الروح للخروج من الجسد وعبرت التراقي والحلقوم واستقرت في أنف الميت أو فمه يأتي ملك الموت ليجلس عند رأسه فإن كان من أهل الرحمة يقول له: يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى أخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضٍ غير غضبان وأما إن كان من أهل العذاب فيقول له: يا أيتها الروح الخبيثة اخرجي إلى نار ونيران ورب منتقم غضبان فتحاول أن تهرب وتصرخ فتقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ولكنه يواجه بصوت الحق يخاطبه: (كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
فيا أيها الإنسان قل لي بربك كيف تسنّى لك كل هذا البعد وطول الأمل؟ ءأمنت أم جاءك عهد من الله برضوانه وعفوه؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
You must be logged in to post a comment.