مرّ محمد ابن زبيدة بجارية له تتمايل بتيه من السكر وقد انحلَ رِداؤها عن جسدِها، فقام بمراودتها عن نفسها فسألته أن يُمهلها ليلة فهي لم تكن تعلم بمجيئه بسبب طول مدة الهجر، وأخبرته برغبتها تهيئة نفسها له والعودة في اليوم التالي، ولكن وفي اليوم التالي وعندما طَلُعَ الصباح انتظرها فلم تحضُر، فذهب إليها مُذكرًا إياها بالوعد الذي لم يُنجز بعد، فقالت له: يا أمير المؤمنين أما علمتَ أنّ كلام الليل يمحوه النهار، فخرجَ من مجلسه ضاحكًا فسأل عن الشعراء الواقفين ببابه، فأخبروه بحضور مصعب والرقاشي وأبو نواس فأمر بدخولهم، وعندما دخلو وجلسوا بين يديه، أخبرهم بأنه يريد من كل واحدٍ منهم أن ينظُمَ شعرًا يُختم آخره بعبارة؛ كلام الليل يمحوه النهار.
قَولُ الرقاشي
كان الرقاشي أول من بدأ في النَظم فقال:
متى تَصحُو وقلبُكَ مُستطارُ
وقد مُنعَ القَرارُ فلا قَرارُ
وقد تَرَكَتْكَ صَبًّا مُستهاماً
فتاةٌ لا تَزورُ ولا تُزارُ
إذا استنجزتَ منها الوعدَ قالت
كلامُ الليلِ يَمحوهُ النهارُ
قَولُ مُصعب
ثم تبعه مُصعب فقال:
أَتعذلني وقلبي مُستطارُ
كئيبٌ لا يَقَرُّ لَهُ قَرارُ
بِحبِّ مليحةٍ صادت فؤادي
بأَلحاظٍ يخالطُها احورارُ
ولما أَن مددتُ يَدي إليها
لأَلمسَها بدا منها نِفارُ
فقلتُ لها عِديني منكِ وَعداً
فقالت في غدٍ منكَ المَزَارُ
فلما جئتُ مُقتضياً أَجابت
كلامُ الليلِ يَمحوهُ النهارُ
عَجيبُ قولِ أبو نواس
أما أبو نواس فقال:
وَخُودٍ أَقبلَتْ في القَصرِ سَكرى
ولكن زَيَّنَ السُّكرَ الوَقارُ
وقد سَقَطَ الرِّدا عن منكبيها
من التَّجميشِ وانْحَلَّ الإِزارُ
وهز الريح أردافاً ثقالا
وغصناً فيه رمان صغار
هممت بها وكان الليل ستراً
فقام لها على المعنى اعتذار
وقالت في غد فمضيت حتى
أتى الوقت الذي فيه المزار
وقلتُ الوَعدَ سيدتي فقالت
كلامُ الليلِ يَمحُوهُ النَّهارُ
مَوقِف محمد ابن زُبيدة مِن أبو نواس
بعدما سمع الأميرُ قول أبي نواس غضبَ وانتهره وتوعده إن كان مُطلعًا عليهما أو أنه كان في القصرِ في تلك اللحظة، فأقسم أبو نواس بأنه ليس كذلك، ولكنه بفراسته كان قد اطلع على حال الأمير فعرف ما في نفسه وعبَّر عما يدور في خُلجه، فكانت لأبي نواس مكافئة بأربعة آلاف درهم ولصاحبيه مثلها من الأمير.
You must be logged in to post a comment.