إنّ فكرة تجميع المال وكنزه واحتياطه ليست إلا ذريعة للتوحش الاستهلاكي، وأكثر ما يثير العجب هنا هو الانحشاد الضخم اللاواعي خلف الثقافة الجماهيرية، ترى أحدهم هناك يسارع للحصول على سلعتين بسعر سلعةٍ واحدةٍ وترى الآخر يصارع عند عروض التخفيضات حاملًا في جيبه احتياجاته الزائفة، وأُخرى تمتلك مسكنًا آمنًا وأسرةً جميلةً وتحصل على كفايتها من طعام وشراب وملبس ورغم ذلك تستمر برمق زوجها بتلك النظرات التي تعبّر عن سوء حالهم وفقر ذات يدهم ولسان حالها يستفظع الأمر متناسيةً حصولها على حاجات نفسها فهي قد بدأت بالفعل بالخلط بين مفهومي الحاجة والشهوة.
هذه الحياة في ذاتها قائمة على مفهوم النفعيّة، بمعنى أن كلّ منّا ينتفع من الآخر وهذه دوافع فطرية تتواجد في النفس البشرية بل وحتى في الحيوانات والنباتات والجمادات إن أردت، وبها تقوم المجتمعات وتبنى الحضارات وما عدا ذلك هوامشٌ رخيصة، ما حدث بالضبط هو أنك سطّرت أولويات عيشك بتلك الهوامش سيرًا مع القطيع متغاضيًا عن الأساس الذي تندرج تحته هذه الكماليات والتي ليس من الضروري أن تندرج أحيانا، فأصبحتَ ترا لبّ الحياة وجوهرها بها ومن بطن هذا الفكر تحديدًا ولدت العبثيّة وتكاثرت واندثر في الوقت نفسه الصلاحُ والإصلاح والعيش الكريم واعتناق المبادئ السامية، فأهملت كل ما لا يجلب لك المنفعة المباشرة التي تعين وحش الاستهلاك في داخلك على التعاظم، وانكبّ اكتراثك كله على ما دون ذلك.
إذن هو عالم استهلاكي، ولا يقبل بما هو غير قابل للاستهلاك وعليك أن تندرج تحت قوانينه المادية بأن تضع نفسك تحت رحمته الرأسمالية، أو أن تفصل بين مفهوم حاجاتك ومفهوم شهواتك وأن تأخذ منه ما تحتاج لا ما تشتهي، فإما أن تكبح شهوة نفسك وإما أن تطغى عليك فتقودك إلى مقرّ القطيع، هناك حيث أشياء كثيرة تطفو على السطح فجأة، وتبدو واضحة جدًا، جميلة أو قبيحة لا يهم، فهي مجرد شيء مرحلي سيختفي سرعان ما يطفو شيء آخر على السطح... ولكن مهلا! عليك أن تمر بغرفة التفتيش أولا، فلو كان بحوزتك فكرة ما، عقيدة ما، لفظة ما، طريقة ما للحوار، أو حتى نوع من الطعام تميّزه، اتركه هنا.
- لماذا؟
_ نحن سنقرر ذلك بالنيابة عنك سيدي، فالثقافة هنا هي الثقافة الغالبة وما عليك إلا الاسترخاء.
رزان رواشدة
المستهلكين طبقات .. تعلو بعضها بعضا
الفارق بينهم هو اسم الثّوب الذي يكسو بهائميّتهم ..
يتنطّع الخبيث منهم الساذج
You must be logged in to post a comment.