في دأبهم المستمر للبحث عن معنى الموت، حاول العلماء وضع نظريات حوله، منها ما يتعلق بطبيعته وجوهره، ومنها ما يتعلق بمواقفنا تجاهه، ومنها ما يتعلق بإمكانية دفعه والنجاة منه. وكل هذا بغرض تخفيف ما يعتمرنا من القلق والخوف تجاه الموت والذي هو أحد أكبر ألغاز الحياة. فماذا وجدوا؟
1. نظرية الانتحار الكمي Quantum Sucide
تجربة فكرية تقوم على تفسير الفيزياء الكمومية للعوالم المتعددة، وفقاً للنظرية فإن كل حدث في الزمكان يتسبب بانقسام إلى الكون إلى نسخ مختلفة من نفسه أو جداول زمنية منفصلة، متضمنة كل الاحتمالات الممكنة. في عالم موازٍ آخر ربما تكون قد انتهيت من قراءة هذه المقالة، وفي جدول زمني آخر ربما لم تستيقظ من النوم بعد، وفي جدول زمني ثالث تستمتع بممارسة رياضتك المفضلة كركوب الأمواج أو تسلق الجبال وليس لديك أي اهتمام بعالم القراءة!
وبالمثل لو أنك أقدمت على الانتحار بالضغط على زناد المسدس ومتّ وغادرت هذه الحياة، فإن هناك عالماً موازياً وجدولاً زمنياً آخر لا زلتَ موجوداً فيه ولم تضغط على الزناد بعد .. وربما لم تفكر بالانتحار أصلاً!! من يدري؟؟
2. لا يمكننا حقاً التوصل إلى ماهية الموت
ما الحياة؟ سؤال شغل الكثير من العلماء والفلاسفة قديماً وحديثاً. من جهتها قامت وكالة ناسا بتعريف الحياة على أنها "أي نظام كيميائي ذاتي الاكتفاء وقابل للتطور الدارويني". لكن هذا التعريف لا يبدو مثالياً تماماً لأن هناك أنظمة كيميائية غير حية يمكنها محاكاة عملية الحياة كالجواهر.
هذا بالإضافة إلى أننا لا نعرف معنى الوعي أصلاً، ولم نقف على حقيقة مصدره حتى الآن، وما إذا كان مجرد مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الدماغ وبالتالي ينتهي بالموت. أم أنه قطعة من السرمدية والخلود الأبدي لا يمكن أن تموت على الإطلاق.
وبالتالي فإنه لن يمكننا إدراك ماهية الموت حتى نفهم الحياة أولاً.
3. الأشكال الثلاثة للموت
ظاهرياً يبدو أن الموت هو نهاية لكل شيء، ولكن من الناحية العلمية والفنية هناك ثلاثة أنواع للموت :
- الموت السريري (الإكلينيكي) : في هذه المرحلة من الموت تتعطل الوظائف الحيوية مثل دقات القلب والتنفس، مع بقاء النشاط الدماغي مستمراً. هذا النوع من الموت هو الذي يُشار إليه أحياناً في الحديث عن تجارب "العودة من الموت".
- الموت البيولوجي أو الدماغي : على العكس من الموت السريري يتوقف عمل الدماغ تماماً حتى لو تم تحفيز الوظائف الحيوية من قبل الآلات.
- الموت الجزيئي : وهو المرحلة التي يفقد فيها الجسم قدرته على إعادة البناء الخلوي، حيث تبدأ خلايا الجسم بالانهيار.
4. تقدم العمر يؤدي إلى تقلص شعور الخوف من الموت
خلافاً للمنطق، فإن الشباب ميالون للتعبير عن قلقهم حيال الموت أكثر من كبار السن؛ بحسب دراسة أُجريت مؤخراً في جامعة أكسفورد، أظهرت أن الخوف من الموت يبلغ ذروته تماماً في العشرينات، ثم يبدأ بالاضمحلال حتى يصل إلى الستينات، العمر الذي يتصالح فيه المرء مع فكرة الموت ويبدأ بتقبلها كإحدى الحتميات التي لا مفر منها.
لكن هذه المجموعة من الدراسات لا يمكن أخذها على محمل الحقيقة بنسبة 100%؛ إذ أنها تستهدف مجموعة من الأشخاص المحتلفين جيلياً أصلاً، ولكنها لا تقوم بدراسة نفس الأشخاص في مراحل عمرية مختلفة من حياتهم، ولذلك يمكن أن يُعزى هذا الفرق في درجة الشعور بالخوف من الموت إلى اختلاف ثقافات الأجيال لا اختلاف الأعمار!
5. هل هناك علاقة بين التعصب والتفكير في الموت؟!
تعمد نظرية في علم النفس تحت اسم "نظرية إدارة الذعر" أو "نظرية السيطرة على الخوف" إلى أن القلق الدائم تجاه الموت، هو ما يدفع إلى تطوير طيف واسع من التمثلات والأفكار البشرية. أي أن بحثنا عن الخلود والأبدية ورغبتنا في الإحساس بأهميتنا الكونية يعزز دافع التمسك بأفكار تحمل في ذاتها خلوداً رمزياً بعد الموت مثل الوطنية والقيم المجتمعية ومفهوم العائلة.
وبالتالي فإن أولئك الأشخاص المهيئين للتفكير في الموت قد يبدون أكثر تحفظاً سياسياً أو أكثر وطنية أو أكثر قومية أو أكثر تحيزاً عرقياً، أو بصورة أدق : أكثر تعصباً.
6. دوامة الموت Death Spiral
يمكن القول إنها تلك المرحلة التي تسبق الموت والتي يعتقد العلماء أنها جزء من عملية الموت المبرمج جينياً أو القدرة التنبؤية على التبصر بقرب الأجل. في دراسة أجريت على ذباب الفاكهة تبين أن تلك التي دخلت في دوامة الموت أظهرت انخفاضاً في مستوى الخصوبة وتوقفت عن وضع البيض، وحتى بغض النظر عن العمر.
وبالمثل عندما تم تعريض مجموعة من المشاركين إلى دوامة الموت، كانت استجاباتهم تشبه استجابات ذباب الفاكهة إلى حد كبير، إذ ظهر لديهم تدهور في مستويات القدرة البدنية بشكل حاد، حتى على مستوى الأنشطة اليومية المعتادة مثل استخدام المرحاض وتناول وجبات الطعام.
بينما لا يأمل العلماء باستخدام معرفتهم تجاه دوامة الموت في إطالة أعمار البشر، لكنهم يعتقدون بإمكانية استغلالها لتحسين حياة الأشخاص في أيامهم الأخيرة.
7. تجربة الاقتراب من الموت Near Death Expirement
يدعي 5% من الأمريكيين - بحسب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب - أنهم تعرضوا لتجربة الاقتراب من الموت. فهل يعقل أن جميعهم يكذبون؟ تُمثَّل هذه التجربة غالباً بالتحرك عبر نفق مظلم في نهايته ضوء ساطع، تحت تأثير نقص في تدفق الدم والأوكسجين إلى العين، ما يسبب حالة من الرؤية النفقية.
يقول عالم الأعصاب أندرو نيوبيرغ : يمكن تفسير مثل هذه التجارب على أنها نتيجة للصراع الداخلي بين الجملتين العصبيتين : الجملة العصبية السمبثاوية (الودية) المسؤولة عن تهدئة روعك وطمأنتك، وتلك اللا-سمبثاوية (غير الودية) المسؤولة عن تحفيزك للعمل أثناء حالات الطوارئ وأثناء الشعور بالخوف والقلق. هذا الصراع هو ما يدفع الدماغ إلى توليد مجموعة من الذكريات والمشاعر والرؤى أثناء تجربة الاقتراب من الموت.
8. ما الحد الأعلى للعمر؟
لم تسجل خبراتنا البشرية إلى اليوم حالات لبشر تجاوزت أعمارهم 120 سنة باستثناء حالة واحدة. هل يعني هذا وجود حاجز عمري يستحيل تجاوزه مثلاً؟ يرتبط هذا الحاجز بحد هايفليك، وهو الحد الأعلى لعدد مرات انقسام الخلية قبل أن تفقد قدرتها على ذلك بناء على قصر أو طول شريط التيلوميترات الموجودة في نهاية الحمض النووي للكروموسوم والتي تحمي الخلية من الموت والانهيار. وهو ما يمكن أن يُفسر قصر عمر الهامستر مقارنة بسلحفاة الغالاباغوس.
هل سوف تمنحنا الأدوات العلمية مستقبلاً القدرة على إيجاد طريقة تسمح للخلايا بالتكاثر والانقسام اللانهائي، وبالتالي إطالة أعمارنا ومنحنا الخلود الأبدي؟؟ ربما!!
You must be logged in to post a comment.