لا تُلقي لَهُم بالاً، لا تَرْكَن إليهِم، لا تَستَمِعْ لِأحاديثِهِم الشَّجيَّةِ في ظاهِرها، تلك التي تحتوي ما تحتويه في باطِنِها، لأنَّ ما خَفيَ أعظَم، فإنَّ مِن بَني البَشر مَن إنْ أحبَّكَ فلا بُدَّ أنْ تَعتَمِلَ في قَلبِهِ يَوماً تِلك النقاط السَّوداء، حِقدٌ حَسَدٌ أو كراهية، فَلطالَما حَسِبْتَ لِما أظهَرَ لَكَ أحدُهُم مِن مَحبَّةٍ أنَّ دُنياكَ اقتَصَرَتْ عليه، وأنَّك آمِنٌ بين يَدَيه، لا يَنوي لك شَرّاً البتَّة، أمّا هو فَبَينَ حنايا صدرِهِ تَسْتَعِرُ تِلك الغَيرَة ونِيرانُها، ما أسبابُها ولِماذا!! لَن تَعلَم. حاذِرْ، فأنتَ ما أنتَ عليهِ، وكُن دائِما كَما أنت، لا ما هُم يُريدونَه.
بالطَّبع لا أعني القَطيعَة، فَتِلك آخِرُ ما أصبو إليه في الحقيقة، فَضالَّتُكَ -أي الحِكمَة- أنتَ أولى بِها وإنْ كانَتْ لَدى مَجنون. خُذْ مِنهُم ما تُريد، بَلْ ما تَحتاج، خُذْها فَحَسْب، واترُكْ عَنْكَ تَوافِهَ الأمورِ، لا تُتْعِب بها تَفكيْرَك.
أحبِبْ مَن أحبَّك، وحاذِرْ مِمَّن أظهَرَ خِلافَ ذلك، في نِهايَة الأمرِ سَتمضي الحياة وتستَمِر، بِهِم أو مِن دونِهم سَتَستَمر، فهي لَنْ تَتَوقَّفَ لأحدٍ، وَلَنْ تَنتظرَ أحداً، فَما يَفوتُك سيفوتُك لِوَحدِك وما سَتَخسَرُه أنت الوحيد النَّادِمُ عليه، فاحرِص على البَقاء، الاستِمرار، وَمواكَبَة مَن هُم حَولك، تَنْعَم في حياتِك وَتَهنأ.
لَيسَ التَّشاؤُم مِن طِباعي -عادَةً-، أو على الأقلّ هذا ما أعْتَقدهُ، ولكنَّ كثرةَ الخيبات في حياتي فَرَضَتْ انعِكاساتِها في نَفسي، فهي كأولئك الذينَ أخبَرتُكَ عَنهُم مُنذُ قليلٍ، فاحذَرْ مِنها كَما تَحذَر مِنهُم. أمّا التَّفاؤُل فلَهُ ما لَهُ في نَفسي، جَوانِب وضَّاءَة، كأولئك الذين لا غِنى عَنهُم في حَياتِنا، وَإنْ قَلّوا، وُجودهم بِحدّ ذاتِه دَفعَة مَعنويَّة لنا دائِماً ما نَحتاجُها، صُدَفُ اللِّقاءِ بِها قَليلَةٌ وتكادُ تكون شحيحة، فكثيراً ما نَسعى نَحنُ خَلفَها، نَبحَثُ عنها، نَنشُدها، في كُلِّ تَفصيلَةٍ مِن تفاصيل حياتِنا نُحاوِلُ أنْ نَصوغَها، وَيَعنينا الحِفاظُ عَليها كما يَعنينا الحِفاظُ عَليهِم، فَهُم كُلُّ ما نَملُك.
دَوماً سَتُشرِقُ شَمسٌ جديدةٌ، وَسَتَحمِل مَعها آمال جديدة، علاقات جَديدة، وحياة جَديدة، لَنْ تَدومَ عتمَةُ اللّيلِ مَهما طالَ، سَتَنقضي، وَسَتزول، فَلِكُلِّ ظلام حالِك بصيص أملٍ يَقضي عليهِ وَلَو بِبُطءٍ. ما مِن إحباطاتٍ تَدومُ، وَلِمَ الإحباطُ بالأصْلِ، نَحنُ بأيدينا مَن نَرفعُ مُؤشِّرَ التَّفاؤُل أوْ نُنقِصُه، فالحياةُ لَمْ تُخلَقْ بِبابٍ واحِدٍ وَطريقٍ واحِدٍ، وإنْ كانَت كذلكَ فأنتَ فقط مَن يَراها كذلك، إنّما هي عَديدَة، كَثيرة، وَمُختلفة، اختَرْ مِنها ما يُناسِبُكَ وَيُساعِدُكَ لِتصلَ إلى ما تُريد، وإيّاك أنْ تَتَأثَّرَ بِكلامِ مُغرِضٍ أو حاسِدٍ، لا تَقِف، لا تَسْتَسلِم، واصِل ما أنتَ عليه، فَقَط افعَل ما عَليكَ فِعلُه لِتَتَّقِ شَرَّه، وَواصِل .. دائِماً واصِل.
You must be logged in to post a comment.