أريكة العقل

يعيش "عادي" في أحد ضواحي عمان وهو شاب في الخامس والثلاثين من عمره لديه أسرة صغيرة يسعى من أجلها بكل ما يستطيع فيخرج من الصباح الباكر إلى عمله كمبرمج في إحدى الشركات ويعود في المساء بتناول عشاءه ويجلس مع عائلته بعض الوقت الذي ينتهي بقيلولة في غرفة المعيشة، توقظه زوجته "عادية" والتي تعمل هي الأخرى كمعلمة في أحد المدارس الحكومية ويذهب أفراد الأسرة كل واحدٍ منهم على سريره كما اعتادت كل العائلات العادية في هذه المنطقة فإن يومها ينتهي على الحادية عشر مساءً ينام فيها الجميع وهو يفكر إذا ما كان هذا التعب كافيًا لإنقاذ مستقبل أسرته الصغيرة!

زوجة السيد "عادي" لديها عقلٌ ماهرٌ جدُا في عدة مهارات يومية "كقيادة السيارة" "وإعداد الوجبات الشهية"  "والتدريس ونقل المعلومات" أما السيد "عادي" نفسه فيتمتع بقدرته على جعل جهاز الحاسوب يعمل بالطريقة التي يريدها ولديه خبرة كبيرة في التعامل مع جميع البرامج المحوسبة وجميع أنواع الحواسيب، إلى هنا نستطيع القول بأن حياة عائلة السيد "عادي" تبدو وكأنها مسجلة على شريط، يتم تشغيله كل يوم دون ملل أو كلل يمارس فيه كل واحد النشاطات التي يتقن فعلها مرهونين في دائرة القلق من المستقبل!

لم يكن يومًا عقل الإنسان مرهونٌ بحد أعلى لاكتساب المهارات والمعرفة أو حتى التجدد والتجربة وروح المغامرة بل العكس تمامًا، فلو استمر الإنسان على نهج أجدادنا القدماء لما ركبنا يومًا السيارات ولا وصلنا إلى هذا الكم الهائل من العلوم والتكنولوجيا التي خرجت من عقولٍ بشرية بحتة مثلي ومثلك فلم يكن لدى أيُ مخترع أو مكتشف أية أجنحة ولا حتى قدرات خارقة، ولكن هناك شيء وحيد فعله هو ولم تفعله أنت!

فما هو هذا الشيء يا ترى؟

منطقة الراحة، وماذا بعد؟

إن "منطقة الراحة" مصطلح وهمي ذو قيمة نفسية يصف حياة الإنسان التي تشبه حياة عائلة السيد "عادي"، ويمكننا تخيلها وكأنها مكان ذو زوايا متعددة يعيش فيه الإنسان حتى يكتشف جميع الزوايا والخفايا فيه فيتحول المكان تدريجيًا إلى دائرة آمنة لا مكان فيها للمفاجآت ويصبح الشخص يمارس حياته بداخلها باحتمالات بسيطة للتعرض لتجربة جديدة من المستقبل واحتمالات ضعيفة جدًا لارتكاب الأخطاء التي لا يستطيع الفرد تخيل عقباها فيحاول قدر الإمكان أن يحافظ على هدوء حياته ضمن هذه الدائرة والتمسك بها أكثر، ولكن ما الذي يمنعنا من البقاء في هذه المنطقة وما هو الخطر المترتب على البقاء فيها؟

لماذا علينا أن نخرج من دائرة الأمان؟

لقد وهب الله الحياة ضمن صعوبات ومشاق وخلق الإنسان وأعطاه العقل ليستطيع العيش فيها ضمن اختياراته الفردية وصفات بشرية أهمها غريزة تحقيق الذات والبحث عن المعنى الحقيقي لحياته، يعتبر العيش ضمن منطقة الراحة فقط روتين مخالف لفطرة الإنسان الذي يتوجب عليه اتمام رسالته بالحياة من خلال التفكر والمغامرة والتوكل على الله وبذلك فإن منطقة الراحة في داخلنا تعرضنا لعدة عوامل خطر منها:

  • عدم تحمل التعرض للصدمات النفسية المفاجئة والتي تأتي بحكم القدر.
  • عدم القدرة على رسم رؤية واضحة للمستقبل لأنه وببساطة لا يوجد وعي للتجدد.
  • قتل الإبداع والموت بين عجلات الروتين.
  • التردد والحيرة الذي ينتهي بالرفض عادةً عند أي فرصة ممكن أن تتاح للفرد.
  • يصبح الإنسان متكلًا على روتين حياته ومهاراته اليومية بدلًا من السعي في الحياة والاتكال على الله.

وبذلك يكون لدينا رؤية واضحة لما نتعرض له يوميًا من انتهاكٍ لحقوق عقلنا علينا فما دام لدينا القدرة على التغيير وإحداث فرق فلما علينا أن نبقى عالقين في زوايا أنفسنا نستمتع بالأمان المزيف تمامًا كأن أمنعك من الخروج من المنزل أثناء حدوث زلزال يدمر المدينة كاملة!

إن ما علينا فقط أن نقتنص الفرص التي يهبها الله لنا كل يوم وأن نفتح صندوق العقل لتدخل إليه الثقافات من شتى أنواعها ونستخرج منها ما يناسب أمنياتنا وأهدافنا، إذا ما الذي تنتظره الآن..! إن الفرص تنتظرك في كل مكان اذهب لتتعلم كيف تلاحظها!

#أريكة_العقل

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
About Author

إنسانة في عامها الرابع والعشرين كاتبة وأخصائية طفولة لدي اثراء جيد في العديد من المواضيع والتي أفضل مشاركتها مع الآخرين من خلال موهبتي الكتابية.