أسرار في ذاكرة مفقودة/ مدينة من الاشواك

 الفصل الثاني

مدينة من الأشواك

 

    بعد ساعات قليلة من مسير الشاحنة على الطريق تتوقف و تغادرها الفتاة بصحبة شعور عارم من الضياع يحيط بها عندما و جدت نفسها على مشارف مدينة تتجه صوبها وهي هائمة على وجهها تنظر الى هذا وذاك تتعرف ما حولها وسط ضجيج السيارات وازدحام المارة .

 وبعد السير طويل في شوارع المدينة المكتظة ذات الأضواء الكثيرة المتناثرة الساطعة تقف أمام احد متاجر تحضير الوجبات السريعة  تنظر الى الطعام وقد انهكها الجوع والتعب و لا كنها  لا تملك ثمن الطعام ، و دون تفكير منها او وعي مسبق لذألك قامت بسرقة  قطعة من الخبز وفرت هاربة حالما راها مالك المتجر الذي حاول مناداتها ليطعمها دون مقابل لأثارتها استعطافه من مظهرها البائس بثيابها الممزقة المتسخة وقدماها المدمتان ولكن خوفها دفعها الى الهرب والابتعاد لتتناول قطعة الخبز الصغيرة التي لم تكن لتسكت جوعها في اثناء بحثها عن مأواً لها تلك الليلة الى ان وصلت إلى شارع فرعي فيه بعض الاضواء الصفراء الخافتة  والأوراق المتطايرة وأكياس النفايات التي  وجدت بينها مكاناً مناسباً لها لتتواري به عن الأنظار .

 ثم تتوقف بالقرب من مخبئها  سيارة يرتجل منها ثلاث أشخاص يحاولون الحاق الاذى بها لما رأوها مختبئة  وتعالت صرخاتها المستنجدة ودموعها المتوسلة لرحمتهم  حتى ظهر رجل وسط الظلام قائلاً:

– أتركوها وشأنها .

اتجهت الانظار الى ذألك الصوت المنقذ وما طال ذألك حتى وقع عراك عنيف بين الرجال الاربعة الذي ارهق الرجل المنقذ وطرحه ارضاً من ثم  خرج الفتاة من مخبئها لتمد يد العون  لذألك النبيل بعد مغادرة الرجال الثلاثة المعتدين .

تسجي على ركبتيها أمامه على ارض الشارع وتقطع جزء من ثوبها الممزق لتمسح به وجه المصاب بسببها قائلة: .

– معذرتاً ايها السيد النبيل كل هذا بسببي .

– لا عليك ( اجابها متألماً وهو ينظر الى حسن وجمالها) انما قمت بواجبي فقط ،عندما سمعت صراخك وأنا أسير بالقرب من هذا الشارع ( ثم يضيف متسائلا ) ما الذي أتى بكِ في هذا الوقت المتأخر من الليل الى هذا الشارع المنعزل ؟.

– لأنه ليس لدي مكان أذهب اليه.

– كيف ليس لديكِ مكان ( قال متعجباً وقد جلس يحدق بها مضيفاً ) هل انت تائهة ؟

– لأدري ( ردت بحزن ) وإنما ليس لدي مكان وحسب ( وأخذت بالبكاء ).

– لاعليكِ ( قال وقد ثارت مشاعرة النبيلة حزناً ) انني اعتذر لم أقصد أن أحزنكِ .

– لا .. لا عليك ايها السيد منذ ان استيقظت قبل اربعة ايام وانا لم اجد سوى الحزن رفيقا لي ( ثم تضيف ) شكراً لكَ على مساعدتك لى وأنا أسفة لما سببتة لكَ من أذى لم أكن أقصدة .. .

– حسنا اذا لم يكن لديك مكان تذهبي اليه يمكنك الاقامة في منزلي  اذا ارتدي ذألك .

– تومئ براسها بالموافقة .

– حسناً عليك اولا مساعدتي في النهوض .

تقدم الفتاة المساعدة له وينطلقان حتى يصلا الى منزل الرجل المتواضع الكائن على سطح احد الابنية القديمة المكونة من ستة طوابق ، ثم يتبادلان الحوار بعد جلوسهما على المقعد الخشبي الطويل المصنوع يدويا من الخشب امام منزل المعيشة الذي يسكنه .

– الفتاة : امممممممممم أهذا منزلك .

 – الرجل : نعم يا سيدتي هذا افضل ما استطعت الحصول علية في هذه المدينة التعيسة التي ليس بداخلها شيء إلا أن يكون له علاقة بالمال … حيث كلما كان الشخص أكثر ثراء كان باستطاعته  فعل أي شيء يريده هنا .

– الفتاة : ارجوك استرخي قليلاً ليتسنى لي تطبيب جراحك ( ثم تضيف قائله ) أين أجد مناديل وماء لأمسح الدماء عن وجهكَ .

– الرجل : تجديها داخل غرفة المعيشة .

تذهب و تحضر المناديل والماء وفي أثناء قيامها بمسح الدماء عن وجهه أخذ يعرفها بنفسة قائلاً :

– أنا ( عادل سليم ) أعمل في أحد المطاعم هنا التي تقام بها حفلات الغناء والسهرات اليلية ( ثم يضيف متسائلاً ) وماهو أسمك .

– أتصدق أنني لاأعرف .. كل ماأعرفة أنني أستيقظت لأجد نفسي في منزل مزارع وزوجتة في الريف ليخبرني بأنة أنقظ حياتي عندما وجدني في وسط الغابة في حال يرثى لها .

– عادل سليم : إذاً أنتِ فقدتِ ذاكرتكِ ؟

– الفتاة : أجل ولا أملكِ وسيله واحدة لإستعادتها .

– عادل : هوني عليكِ ( قال وقد لاحظ الحزن الذي خيم على وجهها وأضاف ) يمكنكِ البقاء هنا ما شئتِ لعلنا نجد ذويك إذا ما قمنا بالبحث عنهم .

– الفتاة : ولكن …

– عادل : ( يقاطعها قائلاً ) أنتِ لا تعرفين هذه المدينة بعد فدعيني اقدم مساعدتي لكِ ما امكنني ذألك ومن اليوم يمكنكِ اعتبار تلكَ الغرفة المتواضعة لكِ وانا وصديقي (خالد)  ضيفان عندكِ اذا استضفتنا (قالها ممازحا ) ثم يضيف  .. ستنامين داخل الغرفة المعيشة  ذات الباب المحتوي على قفل وسأبقى أنا وصديقي ننام في الخارج .

– الفتاة : ولكن …

– عادل : ( يقاطعها من جديد ) لاعليكِ نحن معتادان على ذلك .

– الفتاة : ألايضايق ذلكَ شريكك الذي ذكرت في المسكن .

– عادل : قصدك ( خالد ) بالطبع لا .. صحيح أن طموحه أن يصبح روائي قصص بوليسية مشهور وكعادتة يفشل دائماً لكنه طيب القلب وذا شخصيه فرحة كما أنه يحبُ عمل الخير ومساعدة من يحتاج المساعدة تعرفت عليه منذو اربع سنوات عند قدومي الى هنا حيث قام بمساعدتي لما سرقت كل نقودي من داخل جيبي في الحافلة .

– الفتاة : وأين كنتَ تسكن في السابق ؟

– عادل : كنتُ أعيش في مدينة صغيرة لايتوفر بها فرص عمل كلتي هنا تركتا فيها أسرتي التي تتكون من أختان صغيرتان وأمي التي تعمل مدبرة منزل  .

– الفتاة : ايستحق العمل هنا ابتعادك عن اسرتك ؟

– عادل : ( تنهد بعمق قبل ان يقول ) بعد وفات والدي ازدادَ  العبء على والدتي فجئتُ انا الى هنا حتى يتسنى لي كسب قوتي وعائلتي ولأستكمل دراستي الجامعية ففي هذة المدينة تتوفر فرص العمل رغم قلت الأجور .

– الفتاة : هل أنهيت دراستكَ الجامعية ؟

– عادل : بالطبع لا .. فأنا أعمل عامان متواصلان من الكد والجهد لأرسال جزء من المال لذويي وادخار ما امكن ادخاره لأستطيع توفير تكاليف دراسة عام واحد فقط في الجامعة ثم اعود الكرة من جديد ليتسنى لي توفير تكاليف العام الذي يليه في رحلتي الجامعية .

– الفتاة : لأدري ماذا أقول لكَ وكيف سأشكرك على كرم اخلاقك هذا ولأكني اشعر باني سأصبح عبء على كاهلك .

عادل : لا تأخذي كلامي على هذا النحو وانما اردت ان اخبرك انك اصبحتِ جزء من عائلتنا الصغيرة  الان وافراد العائلة الواحدة ليسوا عبء على بعضهم سيدتي .

الفتاة : يعجز لساني عن الشكر ، و ……. ( يقاطعها عادل ) قائلا :

 

– عادل : ليس مهماً أن تشكريني فلم أفعل شيئاً أستحق علية جائزة .. كل ماعليكِ القيام به الأن الاغتسال فأنتِ بصورة لا تحسدين عليها ( و يضيف ) ثم أنتظريني ريثما أعود .

– الفتاة : و الى أين ستذهب الأن فإنا لا زلتُ خائفة من البقاء وحيدة  ؟

– عادل : ( متبسما ) انتِ في امانٍ الان ، سوف لن أتأخر كثيراً سأذهب لأحضر لكِ ثوباً ترتديه بدلا من ثوبكِ الباليّ .

ولما رجع ( عادل ) ومعه ثوب الفتاة الجديد التي راحت في نوم عميق جداً من شدة التعب كأنها لم تنم منذ سنين .

جلس ( عادل ) على المقعد الخشبي يتأمل القمر المكتمل وسط السماء وهو يستنشق نسمة صيفية عليلة تلك الليلة الذي حتى راح في سبات قبل ان يوقظه شريكه ( خالد ) من نومة الهانئ ليسئلة عن الفتاة التي ترقد عندهم .

– خالد : من تلكَ الفتاة التي ترقد في الداخل ؟

– عادل : اجلس يا ( خالد ) لأروي لكَ قصة تلكَ الفتاة المسكينة .

يروي (عادل) ل (خالد) قصة التقائه بها من بدايتها الى نهايتها وبعد أن أنتهى قال خالد متسائلاً  :

– حسناً وإلى متى ستبقى تلكَ الفتاة هنا ؟

– عادل : لأدري يا خالد .

– خالد : ومن أين ستنفق عليها ؟ متسائلاً …… (ثم يضيف) …. قائلاً :

– ليس هناك داعِ ان اخبرك عن حالتنا المعيشية التي يرثى لها كما تعلم بالكاد نستطيع الانفاق على انفسنا ولا تنسى النفقات المترتبة عليك تجاه عائلتك وجامعتك ان ما نتقاضاه من أجور العمل الطويل طيلة الاسبوع بالكاد تكفينا .

– عادل : كفا يا (خالد ) لاتذكرني بقلة الحيلة ( ثم يضيف) بالمناسبة لقد لقاني مالك البناء هذا الصباح أثناء صعودي السلم و طالبني بدفع مستحقاته  المالية علينا التي لم ندفع منها قرشاً واحداً .

– خالد : ( مندفعاً ) وماذا فعلت ؟

– عادل : وماذا عساي ان افعل وقد كاد أن يقتلني لولا أن دفعت له جزءً من المال المترتب علينا الذي استدنته من أحد زملائي في العمل و كنتُ أنوي إرساله الى عائلتي التي لم أرسل لها منذ فترة .

– خالد 😦 مواسياً عادل ) هون عليك .. لعل الحال تصبح أفضل في يوم ما .

وتمضي ايام والطمأنينة والرعاية التي حظيت بها الفتاة تُحسد عليها وذات ليلة و أثناء تتقبلها في فراشها بسبب الأرق سمعت بطريق الصدفة حديث ( خالد ) ل ( عادل ) عن مدى العبء التي تسببت به لهما فقررت الانسحاب من حياتهما بهدوء وفعلت .

عادت الفتاة البائسة التي الى حياة الشقاء والضياع والتسكع في الطرقات لعلها تجد ضالتها حتى صدمتها سيارة لاذت بالفرار وهي شاردت الذهن في تلك الليلة التي غادرت بها المئوي الذي احتضنها  . 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author

Mona Moon