يقولها متبسماً والفتاة المذعورة تتفحص المكان بنظرها المضطرب وتتسائل :
– الفتاة : أين أنا ؟
تجلس زوجة المزارع بجانب الفتاة وتتحسس شعرها الناعم الجميل بيديها اللتان اشعرتا الفتاة بالطمأنينة والراحة ثم تجيبها قائلة :
– زوجة المزارع : لاتخافي بنيتي أنتِ في أمان الأن ( ثم تضيف معرفه عن نفسها وزوجها ) أنا أدعى ( مريم ) وهذا زوجي ( محفوظ ) .
– الفتاة : ( متسائلة باستغراب شديد ) كيف جئت إلى هنا ؟
– مريم مبتسمة : جاء بك زوجي ( محفوظ ) فقد وجدكِ في الغابة قبل ثلاث أيام مغماً عليكِ وملابسك مملوئة بالدماء التي نزفت من رأسك وبعض الخدوش البسيطة في جسدك ( ثم تضيف وهي تتجه بنظرها نحو الفتاة ) لقد قمنا برعايتك طيلة المدة الماضية فلا تخافي واسترخي فأنتِ بين أيدي امينة .
– المزارع محفوظ : ( يسأل الفتاه مبتسماً فرحاً بستيقاظها ) ما هو أسمك يابنيتي ؟
– الفتاة : تضع يداها على رأسها المضمد تتلمس الجرح الذي أصاب رأسها من الخلف ثم تقول والحيرة باديه عليها
أنا .. أنا…. أأذكر ….لا أذكر … أنا. لا أذكر إسمي ( اضافة بغضب وصوت مرتفع ) .
– مريم : ( تسأل متعجبة ) الاتذكرين ماهو اسمك ؟
– الفتاة : ( بغضب وإرتعاش ) لا … لا أذكر !
– المزارع محفوظ : ( يسأل الفتاة متعجباً أيضاً ) الا تعرفين ما الذي أتي بك الى هذة الغابة الاتذكرين شيئ لقد وجدتكِ ملقاة كجثة هامدة وانتِ غارقة بالدماء !
– الفتاة : ( وقد خالجتها بعض التخيلات المتداخلة الغامضة داخل عقلها و التي زادت من توترها وغضبها فارتفع صوتها بحده دون وعي منها لذألك وهي تجيب المزارع محفوظ قائلة بصراخ)
: لا .. لا.. ( تتوقف لثواني ثم تضيف والحيرة بادية و واضحة بنظرها ونبرت صوتها قائلة ) لأذكر أي شيء .
( تتابع حديثها بعد أن وضعت يدها على رأسها مرة اخرى و الذي كاد ان ينفجر من شدة الألم الذي أصابها من التخيلات الغامضة المبهمة داخل عقلها الباطن ) .
ما الذي أصابني من أنا .. من أنا .. آه …. آه .. رأسي سينفجر .
تحتضنها مريم الى صدرها لما آلمها أنينها قائلة :
– مريم : كفى يا محفوظ هذا يكفي لقد أنهارت الفتاة ( ثم تضيف بصوت شجن عطوف أثار حفيظة الفتاة التي لم يسبق لها ان شعرت بتلك العاطفة) .
لا تخافي صغيرتي هدئي من روعك فأنتِ لاتزالين بحاجة الى الراحة فلا تجهدي نفسك بمحاولة تذكر أي شيئ الأن .
– الفتاة : (بصوت حزين يائس وهادئ ) شكراً لكما على ماقدمتماه لي من رعاية .
– مريم : ( تجيب وهي تتحسس شعر الفتاة ) لاتشكرينا ياصغيرتي إنة واجبنا (ثم تضيف ) :
أنت الان بمثابة ابنة صغيرة لنا فاعتبارينا بمقام والديكِ إذا كان ذلك لايزعجكِ .
– محفوظ : انتِ كأبنتنا وهذا منزلكِ ستبقين عندنا حتى تتعافين تماماً .
( ثم يضيف بصوت دافئ ) وإذا شئيتي أمكثي الى ما ارتدي أبنتي .
– الفتاة : لا أدري ماذا أقول لك ياعم محفوظ .
– مريم : ( بنظراتها ونبرت صوتها الدافئة المليئة بمشاعر الأمومة ) لاتقولي شيئاً صغيرتي علينا الآن ان ندعكِ ترتاحين قليلاً ريثما أذهب أنا وعمكِ محفوظ لنقوم ببعض الأعمال ونُعد مائدة العشاء لتشاركينا عشاءنا ونتسامر حتى الصباح .
: موافقة .
هزة الفتاة رأسها بالموافقة ثم أضافة مريم .قائلة :
– مريم : أذا حاولي أن تنامي الأن وعندما انتهي من تحضير أتي وأوقظك .
– محفوظ : هذا صحيح سنتسامر حتى الصباح اراكما على العشاء الى اللقاء .
يغادران الزوجان الغرفة بسعادة وذلك لوجود ضيفة بينهم .
بقيت الفتاة الجميلة التى لاتذكر شيئاً عن حياتها السابقة وحيدتاً في الغرفة تحاول إستعادة أي شيئ في ذاكرتها عن حياتها الماضية دون جدوى الى ان حان وقت العشاء .
وبعد أمسية جميلة مليئة بالسعادة والفرح لمحفوظ ومريم اللذان حاولا طيلت وقت الامسية اسعاد الفتاة الحزينة التي بقيت شاردت الذهن متصنعة الابتسامة حتى لا تُشعر الزوجان بخيبة امل في محاولاتهما الرقيقة بتخفيف الحزن عنها والتي لم تكن لتغير من واقعها شيء بطبيعة الحال .
وفي مساء اليوم التالي يأتي الى المزرعة أبن أخ السيد محفوظ من الرحلة الدورية التي يقوم بها الى المدينة لبيع بعض منتجات المزرعة من البان وأغنام وخضار والتسوق وشراء بعض المؤن الازمة لهم .
وعند دخول ابن أخ السيد محفوظ الى المنزل يقف قرب الباب متسائلاً بتعجب قائلا:
– من هذه الفتاة ! عندما رآه في صالة الجلوس على الاريكة امامة !
يجيبة محفوظ قائلاً :
– مرحباً بك يا حسام .
– حسام : اعذرني ياعمي فقد فاجئتني هذه الفتاة الغريبة التي تجالسكما (ثم يضيف بعد تقدمة نحوهم الى مجلسهم) أهلاً بك يا عمي وكيف انتِ يا عمتي .
– مريم : تفضل بالجلوس يا حسام شاركنا تناول الشاي .
– محفوظ : (بعد أن جلس حسام معهم) الا تريد أن تلقي التحية على ضيفتنا التي فاجأتك عند دخولكَ المنزل .
– حسام : نعم يسرني ذلك ولاكنك ياعمي لم تعرفني بها حتى يتسنى لي القاء التحية عليها .
– محفوظ : وقد أختلطت علية الكلمات أنها … أنها
تدخلت مريم مقاطعة محفوظ الذي تخبط الحديث عن هوية الفتاة موجه حديثها الى الفتاة قائلة:
– مريم : سنذهب انا وأنتِ لتحضير طعام العشاء هلمي بنا يا صغيرتي لنتشارك أعداده .
– الفتاة : ( وقد أحست بالحزن الشديد على نفسها بعد سؤال حسام عن هويتها التي لاتعرف عنها شيئ ) اعذريني يا خالتي فأنني أحس ببعض الأرهاق وعلى الذهاب الى غرفة النوم لأنال قسطاً من الراحة .
– مريم : الاتريدين تناول الطعام معنا ؟
– الفتاة : شكراً لكِ يا خالة فلا أشعر بالجوع الأن و أنما أحتاج الراحة وحسب .. تصبحون على خير أتمنا لكم امسية سعيدة.
– محفوظ وزوجتة : تصبحين على خير نتمنى لكِ أحلاماً سعيدة .
– مريم : هل أوصلكِ الى الغرفة بنيتي ؟
– الفتاة : لا .. شكراً لكِ يا خالة سأذهب بمفردي ، ثم تستطرد قائلة : بعد أذنكم .
تغادر الفتاة متوجه الى العلية حيث غرف النوم وهي حزينة ،نتيجة فشلها المتكرر في محاولات استعادت ذاكرتها, ويبقي محفوظ وابن أخية حسام بمفردهم بعد ذهاب مريم الى المطبخ لتحضير الطعام
– محفظ : هل قمت ببيع منتجات المزرعة ؟
– حسام : أجل ياعمي وهذا ثمنها (يعطيه مالاً )، ثم يستأنف الحديث قائلاً : مخصمٌ منها تكاليف الموئن التى ابتعتها للمزرعة .
يأخذ محفوظ المال ثم يتجة الى الخارج ليجلس على كرسية الهزاز ذا الأرجل المقوسة الموجود أمام باحة المنزل ثم يشعل غليونه وهو يغرق في أفكاره كعادته .
يتجة حسام في هذه الأثناء الى المطبخ ليسئل مريم عن الفتاة الغريبة .
– حسام : من تلك الفتاة ياعمتي ؟
– مريم : ( وهي تطهو الحساء على الموقد ) إنها فتاة مسكينة وقع لها حادث ما في الغابة حيث وجدها عمك وهي في حال يرثى لها و جاء بها الى هنا ثم علمنا بعد ان استعادت وعيها مساء البارحة انها قد أُصيبت بحالة فقدان ذاكرة.
– حسام : وهل ستبقى هنا .
– مريم : أجل ستبقى الى أن تستعيد ذاكرتها بعد أن أصر عمكَ وأنا على ذلك فالفتاة المسكينة لا تذكر شيء من حياتها الماضية .
– حسام : حسناً يا عمتي سأذهب لأعلم عمي بأن العشاء أصبح جاهزاً .
وبعد يومين من الهدوء والسكون والحياة الأسرية السعيدة في ذألك المنزل الذي كان يخم عليه بعض الحزن بالنسبة للفتاة المسكينة .
يُدعى أفراد عائلة المزارع محفوظ الى حضور حفل زفاف أحد الأصدقاء في القرية المجاورة لهم والتى تبعد عشرات الكيلومترات عن منزلهم الناءِ في وسط الغابة .
استعد محفوظ وزوجته للذهاب الى الحفل برفقة حسام الذي تصنع المرض لعدم رغبة في الذهاب معهم.
غادر العجوزان المزرعة وسط الغابة تحت الظلام الحالك وحال ما أطمئن حسام من ابتعاد السيارة وهي تغرق في غياهب ظلام واشجار الغابة الموحشة حتى سولت له نفسة بنيل بعض المتعة من الفتاة النائمة في مضجعها وقام بالدخول خلسة إليها وهيَ لاتزال نائمة وعند ما اقترب منها بهدوء ووضع يدية على جسدها الممدد في الفراش أفاقت مرتعبة تنظر اليه متعجبة .
– حسام : لا تخافي لن أمسك بسوء وإنما أريد أن نلهو معاً قليلاً فلا أحد سوانا في المنزل .
الفتاة : أخذت بصراخ مستنجدة دون جدوى من توسلها والصراخ ثم راحت تقاوم بكل ما تملك من قوة في محاوله للتخلص منة حتى استطاعت ذألك وهرعت مسرعة خارج المنزل الى الغابة الموحشة المظلمة والمخفية دون شعور منها بذلك .
و ظلت تجري و بسرعة شديدة في ارجاء الغابة دون توقف خشية الامساك بها حتى وجدت نفسها امام شاحنة محملة بالقش تقف في احدى المزارع المجاورة من بعيد ودون وعي أو تفكير منها دخلت إلى الشاحنة لتختبئ بين القش ، وما اطالت ان تحركت بها الشاحنة ولم تجرء على مغادرتها خوفاً وبقية مع الشاحنة في رحلتها المجهولة .
You must be logged in to post a comment.