أسطورة الكهف: أفلاطون

انتبه لما أقوله هنا جيدا ستعرف عندها قيمة الوجود وستعرف اتجاهك وهدفك وستجد ضالتك لا محالة.

في هذه القصة يروي الفيلسوف أفلاطون على لسان معلمه سقراط قصة ليمثل لك فيها معنى الوجود الإنساني والفرق بين المادية المباشرة والتوجهات الروحانية.

يطلب أفلاطون أن تتخيل مجموعة من البشر ولدوا بكهف منذ أول أنفاسهم فهم لا يعرفون غيره بل وأرجلهم وأيديهم وأعناقهم مربوطة بأغلال فلا يستطيعون حتى الحراك أو الالتفات فلا يرون بعضهم البعض ولا يرون الكهف الذي هم فيه فواحدهم لا يرى إلا نفسه والحائط أمامه.


تظهر على الحائط أمامهم ظلال لدمى متحركة خلفهم حيث أنه يوجد خلفهم نيران وبينهم وبين النار تتحرك دمى فتسقط ظلالها على الحائط أمام السجناء وهذا كل ما يستطيعون رؤيته منذ طفولتهم حتى لحظتهم، يؤكد أفلاطون أن هؤلاء المساجين يحصرون معنى الوجود كله في تلك الظلال فهم لم يروا أو يعرفوا شيئا آخر غيرها قط!


تمر الأيام ويستطيع أحد السجناء أن يفك قيده ليلتفت خلفه ويرى الدمى على حقيقتها ثم ينظر إلى الحائط فيشاهد ظلالها فيعرف أن ذلك الحال ما كان إلا انغماس جاهل في لاشيء يذكر حتى ثم يلحظ مصدر ضوء فيتبعه فيجد ثقبا في الكهف قد أطل على العالم الخارجي فيخرج من الكهف ليرى السماء الزرقاء والمزارع الخضراء والحيوانات من كل الأنواع والأشكال يسمع زقزقة العصافير ويرى غيره من الناس ويشتم الهواء النقي فيصعق بما كان عليه وما آل إليه حاله وعقله لم يستوعب بعد كيف مرت تلك السنون بذلك الكهف وكيف كان يراه الأصل الوحيد والحقيقة الوحيدة.


يعود هذا الشخص راكضا إلى أصحابه في الكهف ليبشرهم بما رأى وما سمع وما علم من الحقيقة الصحيحة على عكس ما يظنون وكان هو يظن مثلهم وعندما يصل إليهم ليخبرهم أنه قد رأى عالما كاملا في الخارج كبير وفسيح بكائناته المتنوعة وأشخاصه الكثر وتنفس هوائه النقي وشرب من مائه العذب وأن هذا الذي هم فيه هو محض وهم وخيال فإن الظلال مزيفة حقيقتها الدمى خلفهم والدمى أيضا مزيفة والحقيقة في الأعلى، فنعتوه بالمجنون والسخيف وسخروا منه وضحكوا عليه فأقدم إليهم يقنعهم متمنيا أن ينقذهم من حالهم الذي هم فيه فرجاهم أن يصدقوه ولكن ذلك ما زادهم إلا استهزاءً به وأخبروه بأنه منذ أن فك أغلاله تخلى عن عقله وتحول لمجنون غريب وأن هذه الظلال هي مصدر قوتهم وسلطتهم وأنهم قد يستخدمون العنف معه إذا شكل مصدر خطر عليها فما كان بيده بعد أن يئس من طول الرجاء والصبر على سخريتهم به (بدعوى أنهم لا يعرفون، فهم لم يمروا بالتنوير الذي قد مر به) إلا أن ذهب بحال نفسه ليتعايش مع ما حباه الله بمعرفته ويدعو لهم أن يستطيعوا أن يفكوا أغلالهم ويلحقوا به ليروا كم النعيم الهائل الفائت عليهم.


في قصة الكهف هذه إذا شبهنا الظلال بالمعرفة الحسية المادية (متمثلة في الحواس الخمسة) والدمى المتحركة بمعرفة النفس والعالم الحقيقي في الخارج بمعرفة الروح فعندئذ يكون الكهف متمثلا بنفس الإنسان والأغلال متمثلة بجسم الإنسان الذي يجعل معرفته بالنفس والروح مقيدة (ومطاوعتها تزيد من قوتها ومن ضعف الشخص وعدم قدرته على فكها وتحرير نفسه) كما وأن المساجين هم الناس العادييون وأما الشخص الذي فك أغلاله وعاد ليبشر أصحابه فهو متمثل بالأنبياء والرسل والصالحين والعداوة التي قوبل بها تشبه عداوة الكفار مع أنبيائهم ورسلهم على امتداد الزمان.
ولذلك عليك أن تدرك أنك لن تستطيع إدراك الحقيقة أو الوصول إليها أبدا في هذا العالم المادي المحسوس بل يجب عليك التحرر من قيود الجسد وسطوته وتحكم شهواته بك وكلما أضعفت التمسك والتعلق المادي عندك انفتح لك باب جديد من أبواب الحقيقة.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author

لا الدنيا أقبلت إليّ ولا الزمانُ أدبر