اسكندرية رايح جاى ( 1 )
الاسكندرية 1987
يجلس (( حمدى )) بجوار سائق السيارة النقل, وقد جاوزت الساعة الواحدة صباحا , الطريق معتم من جانبى السيارةلاكنه خاوى من اى سيارات اخرى, والصمت له موسيقى تصويرية تتجسد فى صوت محرك السيارة ليجبر حمدى على استرجاع مشاهد من حياته كم يود حقا أن ينسها,تمر عليه الدقائق سنوات فى تذكر تلك المشاهد ,وهو ابن الست سنوات يعمل مع والده فى ورشة النجارة لصاحبها الخواجة(( كوستا)) بينما أقرنائه فى حى كرموز يذهبون للمدرسة ويلعبون,وعندما اصبح مراهقا لم يستطع أن يجارى من هم فى سنه فى انطلاقهم بسبب انه اصبح مسئول عن الاسرة المكونة من تسع من الاخوةوالاخوات بعد وفاة والده, وعندما قرر ان يتزوج لم تدم ايام عسله ألا وقد لاحقته الديون ,فبعد ما تزوج واستقل عن اسرته كان قد تولدت بداخله فجوة من الحرمان الشديد وكان يخشى ان يواجه مئساة طفولته وشبابه .فقد كل سيطرته على تدبير مصروفات منزله حتى انه اسرف فى الطعام والشراب والملابس والخروجات فلم يكتفى الا بقتراض المال من كل معارفه حتى اصبحت ديونه شبحا يلاحقه فى كل ساعة تمر عليه فلم يستطع ألا هربا من هذا الشبح لمدينة أخرى لا يعرفه فيها احدا حتى لو اضر لترك زوجته وأولاده الثلاثة.
يقرر السائق أن يكسر هذا الصمت الطويل خاصة انه بدأ يشعر بالنعاس
فيقول متسأل : لسه بدرى يا استاذ؟
نظر اليه حمدى وقد جذبه سؤال السائق من بحر ذاكرته قائلا: بتقول ايه؟
السائق مكررا : بقول لسه بدرى ولا أيه ؟
حمدى: أخر الشارع ده بعدين تدخل يمين
السائق : هى المنطقة دى اسمها ايه يا استاذ ؟
حمدى : أسمها أبو بسيسة
السائق:أبوبيسة؟
حمدى: لا,أبو بسيسة
السائق : ابو بسيسة
حمدى : الله ينور عليك صح
السائق: ودى تبع محافظة اسكندرية على كده ؟
حمدى : ايوه بس هى منطقة بيسكن فيها العرب
السائق : وعلى كدة انت من العرب ؟
حمدى : لا. انا اسكندرانى من كرموز
السائق : أمال لامؤخذة يعنى كده أنا عارف أن انت عايزنا نحمل عفش شقة . هى الشقة دى هنا ولا فى كرموز ؟
حمدى: لا هنا .هنحمل العفش وهنرجع تانى على العاشر
منزل حمدى (( أبو بسيسة ))
كان الاطفال نائمون وحدها فاطمة زوجة حمدى كانت مستيقظة تتأكد من أن كل شئ معد وجاهز لكى يتم نقله بسرعة حين يأتى حمدى بالسيارة التى أستأجرها وخاصة أنه قد أكد عليها فى أخر مكالمة لهما أنه يجب أن يغادروا أبو بسيسة فى أسرع وقت ممكن حتى لا يشعر بهم أحد من الجيران . فحمدى كان عنده مديونية حتى لجيرانه من العرب .
وبدأت فاطمة تتأكد من كل شئ ثم همت لايقاظ أطفالها الصغار
لبنى ثلاثة عشرة عام, وأحمد ثمانية سنوات, و حسام ثلاث سنوات
فاطمة قائلة: لبنى يا لبنى اصحى ياحبيبتى, أحمد ياحمادة أصحا ياحبيبى بابا قرب يجى
بمجرد أن سمع أحمد من أمه أن والده قادم فتح عينيه بصعوبة وألقى بكل النعاس الذى يقاومه وبدهشة نظر لوالدته بعين واحدة واخرى مغلقة قائلا: بابا جاى دلوقتى يا ماما بجد ؟
فاطمة: ايوه يا حبيبى قوم بقى عشان تلبس هدومك
أحمد جلس من رقدته متسائلا : هو أحنا هنروح فين يا ماما ؟مش أنت بتقولى أن بابا جاى؟
فاطمة :أيوه يا حمادة بابا جاى عشان يخدنا معاه
فينهض أحمد مسرعا وفرحا كى يستعد للرحيل مع الاسرة ووالده الذى كان ينتظر رؤيته منذ أن غادر البيت,وكانت لبنى قد همت هى الاخرى لاكنها ذهبت الى الشباك المطل على الشارع المظلم بعد أن سمعت صوت سيارة تقترب من المنزل...
....يتبع
You must be logged in to post a comment.