كان الدرب موحشا ، وكان الليل طويلا ، كان الصمت يسود الموقف ، هزّ احمد مقود السيارة بعنف وكانت ملامح وجهه قاسية وحادة وكادت عيناه تنفجران من شدة الانفعال ، اطلّت نغم بوجهها البريئ من المقعد الذي يقع خلف كرسي ابيها ، ثمّ قالت : ابي ما بك ؟ ، لما كلِّ هذا الانفعال ، هل صدر مني شيء ازعجك ! جاوبني يا ابي ارجوك .
مرّت كلمات الصغيرة كالسراب ، ربما لأنّ اباها من شدة غضبه لا يمكنه الاجابة عليها وتهدئةِ روعها ، او ربما لم يصل صوتها له لكونه كان شاردا في المكالمة التي تكاد ان تقضي على مستقبل عائلته وتودي بزوجته ارملةٍ مع اربعة اطفال ، او زوجة لموظف سيقضي اغلب حياته بالسجن ، بين المجرمين ، والمدمنين والنشّالين .
في الساعة السابعة ، وفي اليوم الاول من اذار كان خالد يَعُدّ العُدة ليأخذ عائلته الصغيرة المكونة من اربعة اطفال ،وزوجةٍ جميلة ومخلصة في رحلة الى احدى المتنزهات في عمان ، ايقظ الزوج اولاده واعدت الزوجة ما لذّ من الاطعمة ، وسبق الاطفال والديهما الى السيارة بشوق وفرحٍ طفولي ، كانت اصوات الضحكات والصرخات الفرحة تملؤ المكان ، وفي الجهة الاخرى كان الوالدان يتحدثان بحب عن ماضيهما و اول لقاء لهما وعن يوم خطوبتهما وعن النظرات التي كانا يختلسانها بحضور والد الزوجة بحكم العادات والتقاليد التي كانت تحكم وتحدد زيارة الخطيب لخطيبته ، ومن وسط هذه الذكريات والضحكات ، رنّ هاتف خالد ، اجاب خالد :مرحباً
من الجهة الاخرى قال الضابط لخالد : المقدم احمد معك ، حضرتك مطلوب بقضية قتل ،والادلة جميعها تثبت إدانتك ، تاهت الحروف وتبعثرت من فمِ خالد ، قال الاخير بصوت مرتجف يا سيدي ماذا تقول بالتأكيد هناك خطب ما ، او لعله تشابه اسماء لا اكثر ولا اقل ، اجاب الضابط بنبرة تعتريها الحزم ، لا ، لا يوجد لُبسٌ او تشابه اسماءٍ على الاطلاق ، راجعنا في المخفر في غضون العاشرة صباحا واياك والتأخير ، واقفل السماعة وترك خالد في حالةٍ هستيريةٍ .
عادت نغم الى مقعدها مع خيبة املها ، و ادار خالد مقود سيارته وعاد الى بيته والافكار تكاد تمزق عقله ، تذكر اليوم الذي سرق فيه من خزنة والده ، واليوم الذي قبل الرشوة به ليشتري معطفا جديدا لنغم ، واليوم الذي قطع اشارة المرور الحمراء لأنه تاخر عن عمله ، ثم حاول جاهدا ان يتذكر اليوم الذي ارتكب به جريمة قتل ولكنه لا يجد في ماضيه ايّ أثرٍ لدم يسيل او روحٍ تلتقط انفاسها الأخيرة ، او يدٍ ترتعش من شدة الالم .
انزل عائلته وذهب بسرعة كادت تسبق الريح ، ونزل عند مخفر الشرطة ، وتكلم بصوت لا يكاد يسمع وقلبٍ دقاته كادت تخلع صدره ، لقد تلقيت اتصالا قبل ساعة من الآن وجهتم الي تهمة بجريمة قتل ، قال الضابط : نعم نعم تذكرتك انتِ الذي هاتفتك اليوم ، ابرز لي هويتك ، و بلحظة مرّت عند احمد كساعات استطاع اخيرا اخراج محفظته من جيبه ، ثم سلّم هويته للضابط ، فالتقطها الشرطي ، ثمّ نظر بنظرة يعتريها الحزن والشفقة في الوقت ذاته ، نحن نأسف على إزعاجك سيدي حدث تشابه اسماء بينك وبين خالد الذي يحمل نفس كنيتك ولكنّ اسم عائلته يختلف عنك ، هو المتهم بالقضية ، لا دخل لك انتَ ، وثانيا اعود واكرر اسفي لك ،
احمرّ وجه خالد والتقط هويته بسرعة من يد الضابط وغادر بمشاعر مختلطة بين الفرح ببرأته وبين الأسف على نفسه وعلى دموع اولاده عند عودتهم الى المنزل مكسوري الخاطر معكّري المزاج .
You must be logged in to post a comment.