اضراب الحمير

نهض ابو الهدى مبكرا هذا الصباح شأنه شأن باقي اهل القرية .وضعت له زوجته بضع ارغفة وحبات من البندورة وقليل من الزيتون في صرة صغيرة ،بعد ان فرغ من شرب الشاي ،ودع زوجته معلنا خروجه للعمل في الحقل وقد علا صوته وهو يبسمل ويهلل .

امام البيت الريفي الصغير ترقد تينة عتيقة ،وقد ربط بجذعها حمار يبدو عليه الهزل والكبر ،امامه سطل فارغ من التبن ،حمل ابو الهدى سرجا قديما مهترئا ،واقترب من الحمار ليضعه على ظهره .وما ان رأه الحمار يقترب حتى بدأ يرفس برجليه بكل قوة ويقفز بغضب واضح ،ثم اخذ ينهق بصوت عال قبيح .تعثر ابو الهدى وهو يحاول ان يرجع الى الخلف مبتعدا ،فوقع على الارض واخذ يشتم ويلعن وهو لا يدري اي عفريت ركب الحمار هذا الصباح .وبينما هو في حاله اندهاش وحيرة من امر حماره سمع صوت خافتا قبيحا يقول:"لن اعمل اليوم".

نظر حوله وقد تملكه الرعب وهو لا يرى احدا ،اخذ يبسمل ويقرأ ايات من القرأن وهو في حالة ذعر شديد ،ضرب بيده على جبينه وهو مازال ملقى على الارض وقال:"يبدو انه خُيل الي.." ولعن الشيطان وهو يحاول النهوض .عاد الصوت من جديد يقول بثبات:

*"لم يخُيل اليك ،انا الحمار الذي يتكلم ".

استدار دورة كاملة حتى اصبح وجه لوجه مع الحمار وقال وعيناه تكادان تقفزان من حدقتيه من شدة الخوف :

_"ولكنك حمار ! فكيف تتكلم ؟"

*"الحاجة ام الاختراع ،ثم لماذا تستغرب ما دام هناك صوت يخرج من حنجرتي اذا استطيع ان اتكلم ،مجرد كلمات واحرف انطقها كما اسمعها .وكما تعلم فان اذناي كبيرتان وحنجرتي اقوى من حنجرتك ".

وضع ابو الهدى يديه على خاصرتيه وقال بشيء من السخرية :

_"وماذا تريد يا استاذ حمار ؟"

*"اليوم نعلن اضرابا مفتوحا ".

_"ومن انتم ؟".

*"كل حمير القرية ".

_"انت تسخر مني بلا شك ،والا فكيف واين اجتمعتم ؟".

*"كل يوم نجتمع عند نبع الماء الواقع جنوب القرية حين نذهب لنحمل لكم الماء على ظهورنا ".

_"وما هي طلباتكم ؟".

*"اولا ساعات العمل ،فلن نعمل اكثر من ثمان ساعات في اليوم مع استراحة الظهر ،واذا عمل احد الحمير اكثر من ذلك يحسب له وقت اضافي "اوفر تايم" وعليه يأخذ اجرا اضافيا سطل من الشعير او التبن .بالاضافة الى يوم راحة في الاسبوع تماما مثل بني البشر ".

_"ولكنكم حمير وليس لكم عقل ولا تستطيعون ان تتساووا مع بني البشر ".

*"اولا لو لم يكن لنا عقل لما استطعنا ان نفهم متطلبات عملنا ،وبالتالي لم تستطيعو الاعتماد علينا باعمالكم .

وانت نفسك الاسبوع الماضي قد ضللت الطريق وتهت في المدينة ،بالرغم من انك كثيرا ما تذهب الى هناك ،ولو كنت مكانك لعدت من المرة الاولى الى هذا البيت .ثم اننا لا نريد المساواة مع بني البشر ،ولكن كل مخلوق يعمل على هذه الارض ليكسب قوته يستحق الاحترام .انظر الي كيف اصبحت هزيلا اكاد اموت من الجوع ،رغم انني احرث ارضك منذ سنوات طويلة ،بالاضافة الى انك تعتمد علي في حمل اثقالك ".

_"وماذا ايضا يا حماري العزيز" ،قالها بتهكم وسخرية . 

الاكل ثلاث مرات يوميا بكميات معقولة ،وعدم تحميلنا اكثر من طاقتنا ،والا ننام في العراء ،عليكم ببناء بيوت لنا ،واذا اراد حمار ان يتزوج ان لا تمنعوه ،وان يتم شراء الحمار او الحمارة " العروسين " حسب امكانيات المالكين لتجمعوهم تحت سقف واحد ،حتى لا تسخروا منا اذا .

تزاوجنا معا .

تنهد ابو الهدى كاتما غيظه معلنا انه بدأ يمل وقال :

*"ما شاء الله !".

_ الحمار "شاء الله لنا ان نتكلم بعد صمت طويل ".

*"واذا استغنينا عنكم واشترينا جميعا (تراكتورات ) لحراثة الارض ".

_ الحمار "ان الذين يشترون "التراكتورات" يكون لديهم اراضي واسعة وبالتالي يكونون اغنياء ،وانتم بني البشر لديكم ميزة فريدة ،اذا زاد عدد الاغنياء تقلصت الطبقة الوسطى وازداد عدد افراد الطبقة الفقيرة المعدمة الذين يعتمدون علينا نحن الحمير المخلصين الذين نعمل اعمالا شاقة مقابل طعامنا وشرابنا فقط ".

* ابو الهدى انت فيلسوف يا حماري العزيز .

_ الحمار"المطالبة بالحقوق لا تدخل في نطاق الفلسفة ".

*ابو الهدى"وان رفضنا طلباتكم ".

_ الحمار" ان هذا الاضراب مجرد تحذير وقد شكلنا لجنة وتم انتخابي رئيسا لهذه اللجنة .ان لم تستجيبوا لطلباتنا سنعلن ثورة ضدكم ونحتل القرية بالقوة .تنفيذا للبند الثاني من جدول اعمالنا ،وبعد قليل ستأتي جميع حمير القرية الى هنا للاجتماع كما اتفقنا وسنتخذ القرار المناسب ".

*ابو الهدى "ولكنكم لا تستطيعون ان تعيشوا بدوننا .واجسامكم غير مهيئة للقيام بجميع الاعمال التي نقوم بها ".

_الحمار "سنجبركم على القيام بالاعمال التي لا نستطيع القيام بها ،انظر ها هي الحمير تحضر جماعات الى هنا ".

نظر ابو الهدى واذا بقطيع كبير من الحمير يزحف باتجاههم ،فصاح مستنجدا بحماره وقد تملكه الذعر :

_" بالله عليك قل لهم اننا موافقون على كل طلباتكم ".

 

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author