التكعيبية

مقدمة

نشأت التكعيبية Cubism في فرنسا، وظهرت في أعقاب الوحشية Fauvism، وإذا كانت الوحشية قد تحررت من الألوان الطبيعية، فقد تحررت التكعيبية من الأشكال الطبيعية، بعد أن كان الفنانون منذ العصور القديمة، وحتى أواخر القرن التاسع عشر، متمسكين بمبدأ محاكاة الصور المرئية، وذلك في كافة أعمالهم الفنية التي قاموا بإبداعها، إلا أن الفنانين التكعيبيين عزموا على مواكبة التطور الحضاري، فأخذوا بابتكار وسائل وأدوات جديدة، رافضين مبدأ المحاكاة، مختزلين أشكالهم إلى أجزاء هندسية وخطوط مستقيمة، بعيدة عن صورتها الأصلية، حيث استلهم فنانو هذا المذهب تصميماتهم الهندسية، المخروطية والأسطوانية من الطبيعة، وقاموا بإعادة صياغتها وبنائها، بأسلوب لا يمت إلى الواقع بصلة.                        

سبب التسمية             

وضع الناقد الفرنسي لويس فوكسيل Louis Vauxcelles مصطلح التكعيبية، عندما وصف لوحات براك، التي عرضها في صالة كانفيللر Kahnweller عام 1908، إذ قال أن هذه اللوحات عبارة عن مكعبات، وذكر الفنان الفرنسي هنري ماتيس Henri Matisse لوحتي براك، اللتين قبلتهما هيئة التحكيم، في صالون الخريف عام 1908، حيث قال عنهما أنهما تتكونان من مكعبات صغيرة، وكان ماتيس من أشد المعجبين بالفكر التكعيبي، كما قال الناقد غيوم أبولينير Guillaume Apollinaire عن لوحات هذه الحركة عام 1913، بأنها تصاوير تكعيبية.  

الرؤية التكعيبية                 

تجلى المثل الأعلى في فن عصر النهضة، حيث كانت تعتبر الوصف الكامل لأي مشهد طبيعي، على ما يظهر من زاوية رؤية واحدة، فإذا تغيرت زاوية الرؤية هذه، كان لا بد للفنان أن يبدع صورة أخرى، وقد خالفت الرؤية التكعيبية الرؤية النهضوية، ولسان حالهم يقول أننا في عصر يتميز بسرعة الحركة، بالتالي ستكون رؤيتنا للصور والأشكال على عجل، وبشكل عرضي خاطف، كأننا نركب عربة متحركة، وبذلك فإننا لا نشاهد من عالمنا إلا أجزاء، ومن زوايا رؤية مختلفة، فلا نرى المشاهد كاملة، كما لا نراها من زاوية رؤية واحدة، ولذلك رأى أنصار هذا المذهب أن تصوير عصر النهضة الساكن، لا يناسب حركية العصر الحديث، ولا يواكبها على الإطلاق، ومن هنا قام الفنانون التكعيبيون باستحداث مجال فراغي جديد، تظهر فيه الأشكال من زوايا رؤية متعددة، في عمل فني واحد، وهذه الأشكال متعددة الرؤى، قد تظهر شفافة أو معتمة، مجزأة أو كاملة، وهكذا اقتحم فنانو هذا المذهب أعماق الصور والأشكال، وأخذوا يصورونها كما لو كانوا ينظرون إليها، من تحتها أو فوقها، أو حتى من خارجها.

ازدهار التكعيبية     

لقد مهد بول سيزان Cezanne Paul عام 1907 لهذا المذهب، حين أخذ يجزئ أشكال الطبيعة إلى تكوينات هندسية، ثم يعيد تركيبها وتجميعها، لكن الفضل في نمو التكعيبية وازدهارها، يرجع إلى الفنانين بابلو بيكاسو Pablo Picasso، وجورج براك Georges Braque، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث قاما بتطوير أفكار سيزان الهندسية، وعملا على إيجاد تأثيرات بصرية من خلال هدم الأشكال الموجودة في الطبيعة، مثل المكعب والمخروط والأسطوانة والكرة، وإعادة تكوينها من جديد، بأسلوب مبتكر حديث، وبقدوم عام 1910، بلغت الحركة التكعيبية، بجهود الفنانين بيكاسو وبراك، درجة عالية في تغيير معالم الصور الطبيعية، وتشابهت أعمالهما الفنية، وأصبح من الصعب التمييز بينها، ويبدو ذلك جلياً في لوحة (كمنجة وباليت) عام 1910، التي نفذها براك، و(لاعب الأكورديون) عام 1911، التي نفذها بيكاسو، ومنذ عام 1912 انتشر المذهب التكعيبي خارج فرنسا، والتحق الفنان خوان غريس Juan Gris إلى مؤسسي الحركة، كما اجتذبت الحركة العديد من الفنانين، مثل فرناند ليجيه Fernand Leger، وألبرت غليزس Albert Gleizes، وروبرت ديلوني Robert Delaunay، وجاك فيلون Jack Velin، ومارسيل دوشامب Marcel Duchamp.  

مراحل التكعيبية    

مرت تجارب بيكاسو وبراك بثلاث مراحل، وهي:

  • المرحلة الأولى 1907-1909: واقتصرت موضوعات الأعمال الفنية فيها، على بعض الأشكال الطبيعية، التي اختزلها الفنانين إلى مساحات هندسية بسيطة، ذات خطوط متكسرة حادة، وتجلى في هذه المرحلة تأثير الفنان سيزان على الفنانين التكعيبيين، ويوضح ذلك لوحة (ميناء نورماندي)، للفنان براك.
  • المرحلة الثانية 1910-1911: وعرفت باسم التكعيبية التحليلية Analytical Cubism، وقد ازداد في هذه المرحلة تفتيت الأشكال إلى مكعبات، وإعادة صياغتها في صورة جديدة، إلى جانب رسم رؤى عديدة للشيء الواحد، باستخدام درجات اللون الواحد، ويوضح ذلك لوحة (الفتاة والقيثارة)، للفنان بيكاسو.  
  • المرحلة الثالثة 1912-1914: وعرفت باسم التكعيبية التركيبية Synthetic Cubism، وفي هذه المرحلة عاد الفنانين إلى شيء من الأشكال الطبيعية، واستخدموا تقنية الكولاج، حيث قاموا بلصق قصاصات الجرائد وغيرها في أعمالهم الفنية، ويوضح ذلك لوحة (طبيعة صامتة وخيزران)، للفنان بيكاسو.      

فنانو التكعيبية                 

ومن أهم الفنانين التكعيبيين:

  • بابلو بيكاسو 1881-1973: فنان إسباني، من عمالقة الفن في القرن العشرين، تميز بتصاويره، وتصميماته المعدنية، ومنحوتاته الإفريقية، اشتهر برسم البائسين والمشردين والأطفال اليتامى، وعرفت هذه الفترة بالمرحلة الزرقاء، وانتقل بعد ذلك ليرسم مهرجي ولاعبي السيرك، وعرفت هذه الفترة بالمرحلة الوردية، من أشهر أعماله: (آنسات أفينيون)، و(ثلاثة موسيقيين).   
  • جورج براك 1882-1963: فنان فرنسي، من مؤسسي الحركة التكعيبية، كان رمزاً مؤثراً من رموز الفن في القرن العشرين، عرف بتصميماته الفنية الساكنة، التي نفذها بتقنية الكولاج، كما قام بعمل تخطيطات للنسيج الحائطي، من أشهر أعماله: (زجاجة وأسماك)، و(الكمان والأنابيب).   
  • خوان غريس 1887-1927: فنان إسباني، يعتبر المؤسس الثالث لمجموعة فناني التكعيبية، أنتج العديد من اللوحات الفنية والأعمال المركبة، التي طبق فيها الجوانب النظرية والجمالية، من خلال لصق المفردات الحقيقة، بدلاً من  رسمها أو تصويرها، من أشهر أعماله: (الشطرنج)، و(امرأة مع سلة).   

مميزات التكعيبية    

انفردت التكعيبية بالعديد من المميزات، أهمها:

  • تجميع أدوات مختلفة لإنجاز تصميم جديد.
  • الاعتماد على الأشكال الهندسية الصرفة.
  • إظهار الشفافية في المكونات والعناصر.
  • استخدام الألوان ودرجاتها بشكل ثانوي.
  • إعادة صياغة الصور الطبيعية المرئية.
  • تعدد ملامس اللوحة الفنية وتنوعها.
  • كثرة المسطحات والزوايا الحادة.  

المراجع            

  • فنون الغرب في العصور الحديثة، نعمت إسماعيل علام، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، مصر، 1983.
  • موجز في تاريخ الفن، آمال الصراف، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوريع، الأردن، 2004.

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
ديسمبر ٢٤, ٢٠٢٠, ١١:٢٣ م -
ديسمبر ١٧, ٢٠٢٠, ١٢:٤٩ ص -
ديسمبر ١٦, ٢٠٢٠, ١:٢٦ ص -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٩:٥٩ م -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٧:٢٢ ص -
About Author