الدادية

مقدمة         

قام جماعة من بعض الفنانين والأدباء، بتأسيس حركة فنية ثورية مضادة للفن التقليدي، فطرحوا القيم الجمالية الأصيلة، والأساليب الفنية التي كان متعارف عليها، وسبب ذلك هو خيبة الأمل التي عمَّت أوروبا، بعد الخراب الذي خلَّفته الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي أدى إلى حدوث ردة فعل عكسية، من قبل مجموعة من الفنانين والأدباء، فسخطوا على الحضارة الأوروبية، التي سببت هذا الدمار الكبير، الذي طال حياتهم في جميع المجالات، وقد عرفت هذه الحركة باسم الدادية Dadaism، وهي حركة عدمية عبثية فوضوية، تنكر المبادئ الأخلاقية وموضوعيتها، وتؤمن بوجوب زوال الواقع المر، وبزوغ فجر جديد، ويرى أنصار هذا المذهب أن الأحوال في المجتمع الأوروبي أصبحت سيئة للغاية، مما يجعل الهدم وإعادة البناء أمراً مرغوباً.  

الرؤية الدادية    

تبنى أنصار الدادية مبدأ: (الهراء من أجل الهراء لذاته)، وجعلوا يطلقون البيانات المتضاربة، فكانت اتجـاهاتهم السياسية عشوائية، وأخذوا يقدمون أعمالاً ولوحات من سقط المتاع، وكأنما استخرجوها من سلال المهملات، ولا غرو، فقد كانت القيمة الأساسية لهؤلاء، هي الأسلوب الساخر والإستهزاء المقذع، وكان هدفهم إيجاد حركة جديدة تحطِّم كل ما هو معتاد ومألوف، لتأسيس عالم جديد، هو عالم ما بعد الحرب، فقاموا بالسخرية من اللوحات الفنية، مثل اللوحات المصورة Iconoclasm الشائعة آنذاك، وعلى رأسها لوحة الموناليزا، كما اتخذوا من سلال المهملات والنفايات، وسائط لتشكيل أعمالهم الفنية، تدعيماً لأسلوبهم المخالف، لكن الدادية لم تستمر طويلاً، فسرعان ما احتوت السوريالية Surrealism الكثير من فنانيها، إذ كانت السوريالية الخلف المنطقي للدادية، وقد قيل: "إن السوريالية هي تتويج للمتألقين من الداديين".     

بزوغ الدادية            

بدأت قصة الدادية في عام 1916، في مدينة زيورخ في سويسرا، حيث بدأ بعض الأدباء والفنانين اللاجئين بالتهكُّم في أعمالهم الفنية بكل ما هو محيط بهم، وذلك بعد كارثة الحرب العالمية الأولى، وكان من مؤسسي الحركة الفرنسي تريستان تزارا Tzara، الذي هرب من رومانيا فراراً من التجنيد الإلزامي، والفرنسي الألماني جان آرب J. Arp، والألماني هوجو بال H. Pall، والروماني مارسيل يانكو M. janko، والألماني ريتشارد هولسنبك R. Hulsenbeck، وكان هؤلاء يلتقون في مقهى اسمه (فولتير)، والجدير بالذكر أن نشاط هذه الحركة انتقل إلى فرنسا، لتصبح باريس مركزاً لها، بزعامة الشاعر والناقد الفرنسي أندريه بريتون A. Breton، وقام بريتون باجتذاب عدد من الداديين الألمان والسويسريين، وأنشأ بعد ذلك حركة جديدة عرفت باسم السوريالية، وقد ازدهرت الدادية كحركة فنية وأدبية، في أوروبا بشكل عام، وألمانيا وفرنسا بشكل خاص، بسبب عاملين أساسيين، الأول: لامعقوليتها وغرابتها، كفن ينسجم مع خيبة الآمال، التي عمَّت أوروبا إبان الحرب العالمية الأولى، الثاني: أتاحت معارضها المتمردة في قراءة الأشعار الأدبية، التي لا معنى لها على الإطلاق، مما أعطى الفرصة للجماهير للالتفاف حولها، بحثاً عما يخفف عنها متاعبها وهمومها نتيجة الحرب.            

سبب التسمية        

وفي إحدى اجتماعات الفنانين والأدباء في مقهى (فولتير)، في مدينة زيورخ، قام زعيمهم الشاعر تزارا باختيار اسم هذه الحركة، وهو لفظ (دادا)، و(دادا) باللغة الفرنسية تعني الحصان الخشبي المتأرجح، الذي يلعب به الأطفال، حيث فتح تزارا –بشكل عفوي- قاموساً فرنسياً كان في جيبه، وهو قاموس لاروس، لتظهر أمامه كلمة (دادا)، التي لاقت حماساً من جميع الأدباء والفنانين المتواجدين في المقهى.      

فنانو الدادية    

          ومن أهم الفنانين الدادائيين:   

  • جان آرب (1886-1966): فنان ألماني فرنسي، من مؤسسي الدادية، كان يستخدم اسم (جان آرب)، عند تحدثه باللغة الفرنسية، في حين كان يستخدم اسم (هانز آرب)، عند تحدثه باللغة الألمانية، مارس النحت والأدب والشعر، اشتهر بتماثيله العضوية المجردة، من أشهر أعماله: (غانيميد)، و(الراعي والغيوم).           
  • مارسيل دوشامب (1887 –1968): فنان فرنسي، من أبرز فناني الدادية، سَخِر في أعماله من فكرة تقديس الفن التقليدي، وبحث عن أسلوب فني جديد، فأدخل فكرة العمل الفني الجاهز، وفضَّله على العمل الفني التقليدي، واستخدم في لوحاته أشكالاً مقتبسة من الآله، واعتبرها عنصراً هاماً في الحياة الحديثة، من أشهر أعماله: (حامل القوارير)، وهو حامل معدني جاهز، يباع في الأسواق، و(صورة منقولة عن الموناليزا)، أسماها (ل . ﻫ . ك . ك)، أضاف إليها ذقناً وشارباً، وقد أوضح دوشامب مذهب الحركة في العديد من مقالاته التي نشرها في أمريكا، كما مهدت أعماله للمذهب السوريالي.      
  • ماكس آرنست ( 1891-1976): فنان ألماني، درس الفلسفة ثم تحول إلى الفن، استخدم الكولاج واللصق كثيراً في أعماله الفنية، وابتكر طريقة جديدة في تنفيذه، فقام بقص الرسوم والصور والأشكال من المجلات القديمة، ولصقها بعناية من أجل تأليف تصميم جديد، جذبه تيار الحركة السوريالية، فنجد أن أعماله التي رسمها –في آخر حياته- تدخل في نطاق المذهب السوريالي.

مميزات الدادية      

انفردت الدادية بالعديد من المميزات، أهمها:

  • إيجاد مفهوم جديد للفن لم يكن معهوداً من قبل.
  • التعبير عن السلبية والتدمير والتفكك.  
  • استخدام قصاصات الجرائد والمجلات والقِطَع الجاهزة.
  • التمرد على القواعد الأكاديمية التقليدية.     
  • السخرية من القيم الجمالية الأصيلة.    
  • العبثية والفوضى في توظيف الوسائل والأدوات.   

المراجع      

  • فنون الغرب في العصور الحديثة، نعمت إسماعيل علام، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، مصر، 1983.
  • موجز في تاريخ الفن، آمال الصراف، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوريع، الأردن، 2004.   

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
ديسمبر ٢٤, ٢٠٢٠, ١١:٢٣ م -
ديسمبر ١٧, ٢٠٢٠, ١٢:٤٩ ص -
ديسمبر ١٦, ٢٠٢٠, ١:٢٦ ص -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٩:٥٩ م -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٧:٢٢ ص -
About Author