كارافاجيستي

من هو كارافاجيو؟            

ميكلانجلو ميريزي Michelangelo Merisi (1573-1610م)، ويعرف بـ(كارافاجيو) Caravaggio، نسبة إلى مدينته، ومسقط رأسه، في إقليم لومبارديا، فنان إيطالي، تلقى تدريبه في ميلانو، في الفترة (1584-1588م)، ثم ذهب إلى روما، وبدأ حياته الفنية، بتصوير الحياة اليومية، والطبيعة الصامتة، وقد تميزت لوحاته هذه، بألوانها الهادئة والواضحة، وما لبث أن امتلك ناصية النزعة الطبيعية، المناقضة للنزعة التكلفية، لذا انبرى يصور الشخصيات التي يخالطها، ويقع عليها بصره، مؤثراً تسجيل قسمات وجوه العامة من الناس، والأزياء المعاصرة، وموضوعات الطبيعة الساكنة، والتي رسمها بدقة وبعناية، على التصاوير المثالية.    

الأسلوب    

تكشف أعمال كارافاجيو المبكرة، عن التجريبية المستمدة من حياته اليومية، بعيداً عن الرؤية الأكاديمية، التي شاعت في روما، في ذلك الوقت، وقد أثار تجديده الفني هذا، موجة من الخلاف والجدل، إذ لم يطبق أسلوبه الواقعي، على الصور الدينية فحسب، وإنما قام بإسباغ العمق الدرامي، المتمثل بالضوء والظل، على هذا الأسلوب أيضاً، الذي ربما تعلمه، من الفنان الإيطالي ياكوبو كومين Jacopo Comin، الشهير باسم تنتوريتو Tintoretto، ويقوم هذا الأسلوب الفني، على تسليط الضوء بحدة، من خلال استخدام كشاف ضوئي، أو مصباح معلق، يضعه في جانب ما، من جوانب مرسمه، فيلقي هذا الكشاف، أو المصباح، نوراً ساطعاً على تكوينه الفني، مضيئاً بذلك بعض أجزائه، تاركاً بقية الأجزاء في ظل، أو ظلام، الأمر الذي يزيد الانفعال في العمل الفني، ويحصر انتباه المتلقي في التفاصيل، ويفصل بين الشخصيات الموزعة، في المستوى الأمامي للوحة بالتحديد، حيث يتم التركيز، على لون واحد وبقوة، مثل اللون الأحمر الدافئ.

الموضوع    

هجر كارافاجيو ما كان عليه، في بداياته الفنية، من تصوير الشخصيات، ذوي البزات الأنيقة الفاخرة، اللافتة للانتباه، والتي تكون عادة محط التصوير، فأصبح يمزج بين البساطة والتسامي، في أعماله الفنية، مما جعل لوحاته الفنية، من أشد التفسيرات تأثيراً، في الحركة الدينية الشعبية، على وجه التحديد، وقام بتحول نشاطه الفني، إلى تصوير الموضوعات الدينية التقليدية، فأضفى عليها إيقونوغرافية جديدة، وكان من عادته اختيار الموضوعات، التي تكون صالحة للتناول الرهيب، أو العنيف، أو الدرامي، بعد تجريدها من ارتباطاتها المثالية، مستقياً نماذجه من المجتمع، ويظهر هذا بشكل واضح وجلي، في لوحة يوحنا المعمدان The Beheading of Saint John the Baptist ، الموجودة في متحف كابيتولين في روما، ولوحة فداء إسحاق The Sacrifice of Isaac، الموجودة في متحف أوفنتري في فلورانسا.

الأتباع   

تأثر مجموعة من الفنانين بأسلوب كارافاجيو، تأثراً كبيراً وطاغياً، لاسيما في استخدام تقنية النور والظل، والنزعة الواقعية، حيث نشأ تيار فني عرف باسم كارافاجيستي Caravaggisti، من الفنانين الذين احتذوا حذو كارافاجيو في أسلوبه الفني، مثل الفنان الإيطالي أوراتسيو بورجياني Orazio Borgianni، والفنان الإيطالي بارتولوميو مانفريدي Bartolomeo Manfredi، وقد انتشر هذا التيار الفني، في إيطاليا بخاصة، وأوروبا بعامة، وذلك مع أواخر القرن السادس عشر، ومطلع القرن السابع عشر، كما نشأت فرقة عرفت باسم الظلامية Tenebrists، في الأراضي الواطئة، التي كانت تهتم وبشدة، بالموضوعات التي تناولها كارافاجيو في أعماله الفنية، مثل الحياة اليومية المعاشة، إضافة إلى تأثرهم بألوانه وتدرجاتها.

التقنية          

تقنية (النور والظل)، أو (الإشراق والعتمة)، أو (الفاتح والداكن)، أو ما يعرف باسم كياروسكورو Chiaroscuro، هي عبارة عن تدرج أطياف النور والظل، في التصوير الفني بشكل عام، والتصوير الزيتي بشكل خاص، وذلك لإبراز الأشكال المصورة، والإبانة عن مواضعها، وصلتها بعضها ببعض، في المساحة الفنية المتاحة، فيبدو التدرج واضحاً، من خلال تفاوت درجات النور والظل، سواداً أو بياضاً، زيادة أو نقصاً، وتظهر هذه التقنية أكثر، في التصاوير الجدارية Fresco، ويستغل الفنان هذه التقنية أحياناً، من أجل الإيحاء الوجداني، ومن المعروف أن التدرجات الضوئية، تعين على تجسيم الأشكال، ومن هنا كانت إضافة هذه التقنية، لا غنى عنها، لتظهر الأشكال بأبعادها الثلاثة، الطول، والعرض، والعمق، وحين تؤدي هذه التدرجات الضوئية دورها، تتضح درجات القوة والضعف، التي ينبني عليها الشعور بالكثافة، حيث تخضع الأشكال في اللوحة الفنية، للإطار العقلاني الواعي، في حين تتخطى الكثافة هذه العقلانية، لتوحي بما هو غير عقلاني، مثل الانفعال الوجداني، فدرجات الكثافة لا تقاس بالوعي العقلاني، وأخذت هذه التقنية، تنمو شيئاً فشيئاً، مع ظهور التصوير بالزيت، الذي كان يتفرد بعمق بعيد ورقة كبيرة، من أي تقنية أخرى، مثل تقنية الفريسكو مثلاً، ونرى تقنية النور والظل في أعمال كارافاجيو، ونحسُّ بصلتها الوثيقة، من خلال التباينات الواسعة، ذات الأثر الدرامي، وقد اشتهر بتطبيق هذه التقنية، إلى جانب كارافجيو، الفنان الإيطالي ليونادو دا فنشي Leonardo da Vinci، والفنان الهولندي رامبرانت فان راين Rembrandt van Rijn، والجدير بالذكر أن مصطلح كياروسكورو، كان له دلالة سابقة، حيث أطلق على المستنسخات المطبوعة، المنفذة بالألواح الخشبية، فكان لكل منها، درجات ضوئية خاصة بها، وذلك من أجل إحداث التباين، أو التدرج، من خلال استغلال العلاقة بين ملامس الأخشاب والأحبار، فإذا النور والظل، يتألفان من هذا الإنسجام، كما لا يزال هذا المصطلح، يطلق على الصور المنفذة، بالأسود الأبيض، أو البني والأبيض، والظواهر الجوية، التي يتجلى فيها التباين الشديد، بين ظل خافت، ونور ساطع.     

المراجع                                                              

  • فنون الغرب في العصور الوسطى والنهضة والباروك، نعمت إسماعيل علام، دار المعارف، مصر، 2001.    
  • موسوعة أعلام الرسم العرب والأجانب، ليلى مليحة فياص، دار الكتب العلمية، لبنان، 1992.  

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
ديسمبر ٢٤, ٢٠٢٠, ١١:٢٣ م -
ديسمبر ١٧, ٢٠٢٠, ١٢:٤٩ ص -
ديسمبر ١٦, ٢٠٢٠, ١:٢٦ ص -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٩:٥٩ م -
ديسمبر ١١, ٢٠٢٠, ٧:٢٢ ص -
About Author