من هو ليوناردو دافنشي؟
ليوناردو دافنشي ( 1452-1519م)، من أعظم فناني عصر النهضة الإيطالية، ولد في قرية انشيانو، بالقرب من مدينة فنشي في توسكانيا، وتوفي في كلوكس (كلوس لوسي) في فرنسا، لقب بالرجل العالمي الشامل الذي سبق عصره، حيث اتسعت اهتماماته وإنجازاته، لتغطي مجالات كثيرة، كان ليوناردو يتمتع بذهنية عالية، حيث درس الفلك، والموسيقى، والتشريح، والزراعة، والجيولوجية، والهندسة، والرياضيات، وقدم اختراعات علمية ودراسات، في الألوان والميكانيكا والطيران، كان أبوه يعمل كاتب عدل، وعندما أظهر ليوناردو تفوقاً في الرسم والتصوير، في نعومة أظفاره، رأى والـده أن يصقـل موهبتـه، فاصطحبــه إلى فلورنسا عـام 1469، وهناك تتملـذ علـى يـد الفنان فيروكيو، وفي عام 1482 رحل ليوناردو إلى مدينة ميلانو، حيث عمل رساماً للبلاط، لدى حاكم المدينة، لمدة سبع عشرة عاماً.
التشريح والمنظور
بدأ ليوناردو برسم اللوحات التشريحية للجسم البشري، والتي تبين مظهر العظام وأوتار العضلات وأجزاء الجسم الأخرى، وتوضح أيضاً وظيفة كل منها، واهتم ليوناردو برسم ملامح وجوه شخصياته، وإبراز الجمال النبيل فيها، وقد تعددت ووضعياتها، وكان يحرص أن تعبر الملامح عن الحالة النفسية، وعمد في لوحاته إلى التوليف بين الإنسان والطبيعة، ولا غرو، فقد عاش ليوناردو في عصر النهضة، الذي كان عصر المصالحة بيـن الفن والعلم والدين، حيث ازدهرت فيه الأبحاث العلمية والدراسات النظرية، واقترن هذا العصر بالتجسيد الواقعي، والمعاني الإنسانية ومظاهر الحياة، وعاد الفنان النهضوي باستيحاء التراث الفني الإغريقي والروماني، فكان التحول من التجريد اللاهوتي إلى التجسيم المرئي، والاقتراب من الطبيعة وعالم الإنسان، الأمر الذي أدى إلى ظهور علم التشريح، وقواعد المنظور، وتأثـير الظل والنور، وقام ليوناردو بتطبيق هذه المباديء البصرية في أعماله الفنية، إضافة إلى توزيع المساحة بشكل متوازن، بين الخطوط الأفقية والعامودية، وقام أيضاً بعمل دراسات أولية لأشخاصه في رسوم تحضيرية قبل تصوير لوحاته، وذلك بما يتلائم ومفاهيم عصر النهضة من حيث النسب والتناسب، من أشهر أعماله الفنية: (الموناليزا)، و(العذراء والطفل)، و(ليديا والبجعة) ، و(العشاء الأخير).
العشاء الأخير
تعتبر لوحة العشاء الأخير The Last Supper من أجمل تصاوير ليوناردو دافنشي، وهي لوحة جدارية تمثل المذهب الكلاسيكي النهضوي، نفذها ليوناردو بتقنية الفريسكو، مستخدماً الزيت والتمبرا على الجص، وهي موجودة في قاعة طعام الرهبان الدومنيك، بدير القديسة ماريا ديل جراتسيا بميلانو، وكان ذلك في الفترة ما بين (1495-1498م)، واسم اللوحة يخبرنا عن موضوعها، فهي تصور للعشاء الأخير، حيث يظهر السيد المسيح في منتصف اللوحة ومن حوله الحواريون، جالسين على مائدة الطعام، في تكوين منسجم ومتآلف، ويظهر في الصورة مبدأ المركزية، من خلال البناء التأليفي للحدث، حيث يتوسط اللوحة السيد المسيح، مشكلاً نقطة المركز ومحور الموضوع، وفي الخلف نافذة مفتوحة، يطل منها منظر طبيعي بديع، يضفي إضاءة واقعية، وحيوية على جو اللوحة، ويتجلى المنظور هنا بقوة، حيث تلتقي خطوط السقف الخشبي في نقطة التلاشي، والتي تقع في النافذة، وتركز اللوحة على العنصر الدرامي، المتمثل باللحظة التي قال فيها السيد المسيح للحواريين، بأنه سوف يغدر بي أحدكم، إشارة إلى يهوذا الأسخريوطي، وعند مشاهدتنا للأشخاص ذات التشريح القوي، نلاحظ أن ليوناردو قد استخدم الأسلوب المسرحي القصصي، في التعبير عن موضوعه هذا، حيث نرى بوضوح تعدد وضعياتهم، بحيوية معبرة طبقاً للواقع البصري، إضافة إلى السيمفونية الانفعالية المجسدة، بتنوع حركات رؤوس الشخصيات واتجاهاتها وتعبيراتها، كردة فعل نتيجة لسماعهم قول السيد المسيح، فصاروا ينظرون إلى بعضهم البعض، وكأنهم يتساءلون بدهشة: من هو الذي سوف يغدر به؟.
تصميم اللوحة
يشاهد في هذه اللوحة تقنية الضبابية Sfumato، التي اشتهر بها ليوناردو في معظم أعماله الفنية، وهي عبارة عن ظلال تتدرج في رقة ونعومة، من الفاتح إلى القاتم طامسة في تدرجها خطوط الأشكال، حيث تغوص الحدود والخطوط مع الألوان وسط الظلال الداكنة، لذلك نرى أن الأجسام لم تعد تتمتع بتحديدات ثابتة، بل أصبحت مفتوحة على الأضواء والظلال، الآتية من خارج الجسم، بالتالي أصبحت ألوان الأشكال البعيدة باهتة وأقل لمعاناً، ونشاهد توزيعات الظل والنور Chiaroscuro، التي استخدمها ليوناردو بشكل متوازن، مما كان له أثر في إبراز الأشياء المصورة، وتجسيد الشخوص كما يمليه الواقع المشاهد، كذلك لا ننسى معالجة ليوناردو علاقة الأشخاص والأشكال، بما يحيطها من فراغ معالجة ناجحة، فلا ركاكة ولا تكلف في تكوين الصورة، فالتنسيق العام جلي، والترابط بين عناصر اللوحة واضح، وقد اختار ليوناردو الألوان الباردة والساخنة، التي تلائم المشهد، مثل الألوان: الأحمر والأزرق والأصفر، فتظهر متنوعة في درجاتها وظلالها، موزعة على جميع مناطق اللوحة، وقد تفاعلت مع الحدث معبرة عن حالات الدفء والبرودة، إضافة إلى تعدد الملامس كالناعم والخشن والباهت، والتي جاءت في مواضعها المناسبة.
المراجع
- فنون الغرب في العصور الوسطى والنهضة والباروك، نعمت إسماعيل علام، دار المعارف، مصر، 1982.
- فن عصر النهضة، بيتر موري، ليندا موري، ترجمة: فخري خليل، مراجعة: سلمان الواسطي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لبنان، 2003.
You must be logged in to post a comment.