ما سر ذلك الحنين الذي يجذب الإنسان نحو الماضي كلما تقدم به عمره؟ ما سر ذلك الشوق الذي يطوقه نحو سنوات الطفولة ؟ نعم صعوبة الحياة وتعقيداتها هي التي تدفع الإنسان إلى ذلك الحنين وهذا التمني.
فسنوات الحياة الأولى هي الحصن الذي يلجأ إليه الإنسان كلما غزا البياض شعره، وكلما زادت الخيوط تحت عينيه.
إنه هروب نحو الماضي؛ فسنوات الطفولة الأولى بتشعباتها من ضحكات وماء العيون المنهمر تبقى جميلة في عيون صاحبها مهما رافقها من أعاصير وآهات.
ولعلك عزيزي القارئ ترسم ابتسامة على محياك متذكرا إحدى تلك اللحظات
فهل هناك أجمل من الطفولة؛ سنوات البراءة والشقاوة، سنوات عدم تحمل المسؤولية،سنوات العقل الأبيض. هي السنوات التي تمر. سريعا دون إدراك ووعي لها وجمالها إلا بعد فوات.
لكن هل هو الحل دائما العودة إلى الماضي؟
من المقبول أن يعيش المرؤ أحيانا بين أشجار الماضي يقطف منها بعض الثمار لكن على الإنسان أن يكون واقعيا صلبا يواجه التحديات بعزيمة ، ينظر إلى المستقبل بعين الواقع. فالحياة ما هي إلا اللحظة الحالية التي نعيشها. وما تمتلكه فعلا هي الثواني القليلة التي تصدر فيها أنفاسك الحالية، وما يجول في بالك من خواطر وأفكار. فلا تضيع هذه اللحظات الثمينة في القفز المستمر نحو الماضي لكي لا تبقى أسير تلك المرحلة.
بل دعني أقول لك عزيزي القارئ أن علماء النفس يعدون الهروب المستمر نحو الماضي عموما وسنوات الطفولة تحديدا سبب للاضطراب النفسي والأمراض النفسية التي قد يصعب معها العلاج النفسي ويطول. لذلك يمكن القول إن خطفك إحدى اللحظات نحو الماضي هو شعور جميل حقا، لكن لا تحول بوصلتك نحوها دائما. فالحياة جميلة رغم منغصاتها واعية رغم قتامتها أحيانا، لكن ضع في حسبانك أن لا تعيش في الجنة، إنما هي الحياة.
You must be logged in to post a comment.