إنّ اللوحة الفنية للرسام إدوار مونش أو مونك التي أطلق عليها بِ"الصرخة" تعتبر في المرتبة الثانية بعد الموناليزا ليوناردو دافنشي فيالشهرة العالمية الفنية، وقد تكون هذه اللوحة موصوفةً بالشخصية البشرية الأكثر شهرة في تاريخ الفن الغربي.
إنّ رأسه الخنثوي؛ على شكل جمجمة، ويدان ممدودتان، وعينان واسعتان، وفتحات أنفه متوهجة، وفم بيضاوي، قد تأثرت في وعي الناس الثقافي الجماعي؛ لقد ولّدت المناظر الطبيعية الزرقاء الدوامة وخاصة السماء البرتقالية والصفراء النارية العديد من النظريات المتعلقة بالمشهد الذي تمّ تصويره؛ حيث إن الفنانين والمهتمّين بالفنون والجمال ذهبوا إلى أنّ تصوّر تكوين الصرخة كجزء من دورة السيرة الذاتية شبه الذاتية لمونش "إفريز الحياة"، حيث إن الصرخة هي في الواقع عمل بسيط بشكل مدهش، إذ استخدم الفنان الحد الأدنى من الأشكال لتحقيق أقصى قدر من التعبيرية. وتتكون من ثلاث مناطق رئيسية:
- الجسر الذي يمتد بزاوية شديدة الانحدار من المسافة الوسطى على اليسار لملء المقدمة؛ منظر طبيعي للشاطئ أو البحيرة أو المضيق البحري والتلال؛ والسماء التي يتم تنشيطها بخطوط منحنية بدرجات اللون البرتقالي والأصفر والأحمر والأزرق والأخضر.
- كما تمتزج المقدمة والخلفية مع بعضهما بعضًا، وتموج الخطوط الغنائية للتلال عبر السماء أيضًا. إضافةً إلى أنّه يتم فصل الشخصيات البشرية بشكل صارخ عن هذا المشهد بواسطة الجسر؛ إذ يوفّر خطّيتها الصارمة تباينًا مع أشكال المناظر الطبيعية والسماء، إذ ينتمي الشكلان المستقيمان المجهولان في الخلفية إلى الدقة الهندسية للجسر، بينما تأخذ خطوط جسم الشكل الأمامي واليدين والرأس الأشكال المنحنية نفسها التي تهيمن على منظر الخلفية.
وبالتالي، فإن شخصية الصراخ مرتبطة من خلال هذه الوسائل الرسمية بالعالم الطبيعي، والذي كان على ما يبدو نية إدوارد مونش نفسه، فيحتوي مقطعٌ في مذكرات مونش بتاريخ 22 يناير 1892م، وكُتب في نيس (مدينة فرنسية)، على الإلهام المحتمل لهذا المشهد كما يتذكرهالفنان إذ يقول:
"كنت أسير على طول الطريق مع صديقين - غابت الشمس - شعرت بعاصفة من الكآبة والحزن العميق، فجأة تحولت السماءإلى اللون الأحمر الدموي. توقفت، اتكأت على الدرابزين، متعبًا -حتى الموت- بينما كانت السماء المشتعلة تتدلى مثل الدم والسيف فوقالمضيق البحري الأزرق والأسود والمدينة - واصل أصدقائي - وقفت هناك أرتجف من القلق، وشعرت بصرخة هائلة لانهائية [المسيلة للدموع] من خلال الطبيعة". إذ إن الشكل الموجود على الجسر -والذي قد يكون رمزًا لمونش نفسه- يشعر بصرخة الطبيعة، وهو صوت محسوس داخليًا بدلاً من سماعه بالأذنين. ومع ذلك، كيف يمكن نقل هذا الإحساس من الناحية البصرية؟
ينتج عن نهج مونش لتجربة الحس المواكب، أو اتحاد الحواس (على سبيل المثال؛ الاعتقاد بأن المرء قد يتذوق لونًا أو يشم نغمة موسيقية)، ينتج عنه تصوير مرئي للصوت والعاطفة. على هذا النحو، تمثل الصرخة عملاً رئيسيًا للحركة الرمزية بالإضافة إلى مصدر إلهام مهم للحركةالتعبيرية في أوائل القرن العشرين. فقد واجه فنانون رمزيون من خلفيات دولية متنوعة أسئلة تتعلق بطبيعة الذاتية وتصويرها المرئي. كما قالمونش نفسه بإيجاز في دفتر ملاحظات حول رؤية ذاتية مكتوب في عام 1889م، "ليس الكرسي الذي سيتم رسمه ولكن ما شعر به الإنسان فيما يتعلق به".
منذ ظهور الصرخة لأول مرة؛ حاول العديد من النقاد والعلماء تحديد المشهد الدقيق الذي تم تصويره، بالإضافة إلى مصدر إلهام لشخصيةالصراخ. على سبيل المثال، تم التأكيد على أن ألوان السماء القاسية بشكل غير طبيعي ربما كانت بسبب الغبار البركاني من ثوران بركان كراكاتوا في إندونيسيا، والذي أدى إلى غروب الشمس المذهل حول العالم لعدة أشهر بعد ذلك. وقع هذا الحدث في عام 1883م، قبل عشرسنوات من رسم مونش النسخة الأولى من الصرخة. ومع ذلك، كما يوضح إدخال يوميات مونش -الذي كتبها في جنوب فرنسا- ولكن تذكرأمسية من قبل المضائق النرويجية أيضًا؛ فإن الصرخة هي عمل إحساس متذكر وليس حقيقة متصورة. لاحظ مؤرخو الفن أيضًا تشابه الشكل مع مومياء بيروفية تم عرضها في المعرض العالمي في باريس عام 1889م (قطعة أثرية ألهمت أيضًا الرسام الرمزي بول غوغان) أو مع مومياء أخرى معروضة في فلورنسا. في حين أن مثل هذه الأحداث والأشياء معقولة بصريًا، فإن تأثير العمل على العارض لا يعتمد على إلمامالفرد بقائمة دقيقة من المصادر التاريخية أو الطبيعية أو الرسمية. بدلاً من ذلك، سعى مونش للتعبير عن المشاعر الداخلية من خلال أشكال خارجية، وبالتالي، توفير صورة مرئية لتجربة إنسانية عالمية.
-- المراجع:
١-
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/الصرخة_(لوحة)
٢-
https://www.sayidy.net/article/54516/غرائب-ومنوعات/ما-قصة-وراء-لوحة-«الصرخة»-ثاني-أشهر-لوحة-بعد-«الموناليزا»؟
You must be logged in to post a comment.