المرأة والمجتمع.....
النضال والجرح / الجزء الثالث بقلم / د: سعيد أبو جعفر/ الأردن
....... وأصبحت مساءاتهم باردة ليست حميمية كما نشأت ، وبدأت الزوجة المناضلة تشعر بأن شيئا ما قد انكسر في روحها ، ويتراءى لها يوما بعد يوم ابتعاد الزوج الحبيب ... كثير الشرود الذهني ، متأخر العودة الى البيت، كثُرتْ المكالمات الواردة على هاتفه وفي أوقات متأخرة، لم يعتد ان يتأنق عند خروجه والان أصبح شديد الحرص على هندامه ورش العطور على ملابسه ....تغيرات متعددة أصبحت من أشد اهتماماته، كل ذلك كان مؤشرا واضحا على ان شيئا ما حدث لقلبه، وأن وراء تلك التغيرات امرأة اخرى.
كيف لها ان تتأكد من سبب انكسار شيئا من داخلها من روحها؟!
جهاز هاتفه لا يفارق يده، وجهاز الكمبيوتر(اللاب توب) وضع له كلمة عبور، وماذا عن وسائل التواصل الاجتماعي من واتس اب وفيس بوك وتويتر...الخ .
فراحت تبحر فيها جميعاً لعلها تجد ضالتها.. وصوت من داخلها يقول: أرجو الله ان يكون كل ذلك وسواس فقط، فهي تطمئن روحها المكسورة بأن زوجها يحبها ولا تستطيع اي امرأة غيرها أن تحوز على مساحة ودٍ في قلبه الصغير الذي تربّعت فيه منذ سنوات.
خلال تصفحها وسائل(الفصل الاجتماعي) لاحظت أن سيدة تتابعه ويتابعها دوماً. تحركت غيرة الأنثى- بالفطرة- في داخلها، فراحت تطقطق أصابع يديها بشدة، وتعض بأسنانها الثلجية شفاهها الوردية؛ فاحمَرَّ وجهها وتصبب جبينها الوضّاء بالعرق كحبات من الندى الفجري على وردة جورية، لم يغمض لها جفن في تلك الليلة .
كانت كل يوم تنوي البوح لزوجها عما يعتريها من شكوك، ثم تقول لذاتها: هو أكبر من ذلك، وتربّت على جدران قلبها المكسور ليهدأ وليُبعِدَ عنه تلك الوساوس. وتلمح الحيرة في عينيه وكأنه يبحث في المدى عن كلمات لا تسبب وجعاً عظيماً لروحي، وربما التردد والخوف فكيف له ان يصارحها بما اقترفه قلبه... كيف يبدأ الكلام عن عشقه لتلك المرأة؟!
أصبحت يومياً تتابع تحركاته (الفيسبوكية) الى أن بدأت تظهر له صور مع تلك السيدة وبشكل يثبت أن الذي تشعر به ليست الا حقيقة، زوجها يعيش قصة حب خارج بيت الزوجية، واستمر الحال لأكثر من سنة . ليست بأجمل مني تلك ، فماذا وجدت فيها لم تجده عندي يا زوجي ، ربما هي نزوة وسوف يعود لصواب قلبه ، أنا أكيدة من ذلك...
جلست مع نفسها تلك السيدة المكسورة القلب، تحدثها: هل تلك مكافئتي ؟! أبعدَ كل سنوات حبنا ومسيرتنا الزوجية وأولادنا الذين بدأنا نرسم لهم معالم مستقبلهم سويا، سَمَحتَ لقلبك أن تطرق جدرانه انثى غيري!! وربما احتلّت مساحتي فيه..... أي قسوةٍ في قلوب الرجال؟! أقوم بواجباتي الزوجية تجاه بيتي وزوجي فهم الرقم واحد في حياتي، كنت أعتقد أني الرقم واحد في حياتك أيضا، هكذا تكسرني يا زوجي الحبيب!
وأخيراً، قررت أن تستجمع قواها استعداداً لصفحة جديدة في حياتها الزوجية، بعد أن تأكدت بأنهما سوف يتزوجان.
وفي ليلة جلست بانتظار زوجها المتأخر كعادته والقرار لديها اصبح قيد التنفيذ.
وطلبت منه أن يخرجا ، فقال هيا بنا ركبوا سيارتهم ،الى مكان ما، دون مقدمات أنا اعرف أنك على علاقة مع تلك السيدة، ولكن، لماذا؟ قال: انها تطاردني في كل مكان، وصددتها عدة مرات .فقالت: هل اصبحت انا من الماضي؟ قال: لا أبدا ، انت زوجتي .
قالت: وهي عشيقتك؟ قال: لا صدقيني..... قالت : اذن ماذا تسمي علاقتكم، وما لون وشكل اطارها؟
قال: سوف اقطع علاقتي بها قريبا، صدقيني. قالت: هل طلبت منك الزواج؟ قال: نعم ، كلما التقينا تطلب مني الزواج حتى ولو سراً، ولم تطلب مني أن أطلقك .قالت: اذن لديك نية الزواج بها؟ أليس كذلك؟ يا إلهي، لماذا؟ حوار طويل وصراخ حتى الثانية ليلاً ... قالت (بصوت مرتفع) : اذن انت قد قررت الزواج بها . صرخ قائلاً: نعم، اريد الزواج بها. انهت الحوار بصرخة؛ أعدني الى البيت بسرعة.
ولا أريد لك علاقة تخجل منها ، أعرف أن الخبر سوف ينزل على اولادنا كالصاعقة، ولكن ، لا عليك، تزوج وعش حياتك.
لم ينطق بكلمة! بل تصبب عرقاً واغرورقت عيناه لشعوره أن زوجته أقوى منه ، وربما أراحته من عناء الكلام وتبرير ما اقترفه قلبه. وعضّتْ على جرح قلبها كي تُبدي عدم تأثرها لجريمة قلب زوجها .
هذه زوجة ترفع لها القبعة فهي مثال للمرأة الصامدة المقاومة المحبة لبيتها، ذات روح جبارة
وبعد أيام، إلتقت المرأتان وقالت الأولى للثانية مبروك- بكل قوة - لا تتفاجئي، فأنا أعرف كل شيء بينكم.
سألتُ إحداهن يوماً ؛ وقد تزوج زوجها امرأة ثانية ، كيف كان وقع خبر زواج زوجك ؟ أجابت : (دون تردد) لو أتاني خبر وفاته لكانت فجيعتي بذلك أقل بكثير. نعم، تلك حقيقة النساء.
تزوج الـعشيق بعشيقته في بيت آخر وعاشت زوجته جريحة الفؤاد- بعد ان لملمت شظايا روحها- في بيتها مع الأولاد.. لتستمر الحياة بخريطة طريق جديدة.
أي حجارة تعترض مسيرك.. اصنع منها سلماً واستمر في التقدم نحو القمة .
You must be logged in to post a comment.