الهالوين-عيد القديسين- ماذا رأى زائر الليل -الجزء 5

الهالوين-عيد القديسين-

-ماذا رأى زائر الليل- الجزء 5

 

           تغير الوقت, رغم أن الشمس صباحا لا تزال تلسع جلود المارّة! لكن يصرّ النظام البشري على تجاهل التغير في المناخ, و حتى إن لم يحن الشتاء الحقيقي-فما جرى قبل ليلات قليلة ما هو إلا كم ليلة اصطحبت بردا و رعدا وشتاء, لكنه ليس فعلا الشتاء- لكن لا تزال النساء تحضّرن البيوت على أن الفصل البارد جاء. يغسلن السجاد, و يحضرن المدافئ و الصّوبات, و يخزّن مؤونة الشتاء. و مع إلحاح البشر على الطقس, وجدت صفاف والدتها الوديعة وضعت لها بطانية دافئة على سريرها خوفا عليها من البرد منذ بداية أوكتوبر. بطانيتها زاهية الألوان يملئها الزغب الناعم و الذي يبدو دبّها المحشو متناسقا مع وجودها كثيرا من حيث الألوان و الدفء الذان يبعثاهما. ستارة غرفة صفاف أيضا تضفي من اللطف و اللمسة الأنثوية شيئا, ألوانها متماوجة و قماشتها بسيطة لا مبالغة فيها.

 بعد يوم دراسي طويل في الجامعة و ورشات طلابية شاركت فيها وصلت لمنزلها و هي تتضور جوعا و تتثاقل نعاسا, بقبلة كبيرة على وجنة أمها الحنونة سألتها ماذا أعددت اليوم  لنا يا ماما؟ اذهبي يا صفصافتي لأخذ حماما سريعا و سأعد طاولة الطعام. و فعلا, كانت تشعر بالبرد لأن الليلة حملت معها بضع قطرات من الشتاء. برقت عيناها فرحا عندما رأت ورق العنب المحشو بالخضار و الأرز الذائب يلمع على طاولة الطعام, تناولت عشائها و ذهبت للنوم بعد بضعة ساعات. ما إن غمرت رأسها بين ثنايا وسادتها السعيدة حتى رنّ هاتفها و كانت ابنة عمها سارة, بثقل يغيّم عل الذّاكرة ردت على المكالمة: آه  سارة ماذا هناك؟ بصوت سارة على غير العادة ردّت: لا تنسي صفصافة أن تحضري معك المفاتيح. و بثقل لسان النّائمين: أي مفاتيح و إلى أين أحضرها؟ إلى نزل السكانيتي يا حلوتي غدا. ابحثي عن كل ما يحمل مفتاحا و احضريه! 

إلا أن الليل لا يزال في أوّله, ولا يعني استغراق البعض في ريش الوسائد أنّ السّهر ولّى, و أن الألغاز حلّت. هذا المساء فيه ريح خفيفة و ماء من السماء يبلّل الأرض قليلا, و أضواء المنازل من بعيد على فرض أن زائر يجوب الشوارع و يراقب المناظر يغري المشاهد على معرفة قصص البيوت: فهذا المنزل يبدو مليئا بالحياة و ذاك يوحي ضوءه بالهدوء و آخر يرمش مصباحه منتظرا عودة أصحابه من العمل. أما في بيت التوأم الجميل فكانت غرفة وردة و سارة تبوح بما يحضّرانه لليلة الغد: ليلية نزل السكانيتي. جهّزتا كلتاهما الهدايا و الألعاب في حقيبة الظهر و حملت كل منهما ما يخصّها من حاجيات. لفت وردة أنّ سارة لبست قلادتها التي عليها مكتوب: "الله الحافظ". قالت لها: آه يا سارتي ذكّرتيني بهذه الهديّة يوم نجاحنا في الثانوية العامة قبل سنتان: لك هذه و لي : و أكملت سارة بينما تلبس أختها السلسلة: قلادتك المكمّلة لخاصّتي المكتوب عليها "اللّه القادر", تذكري يا قلبي أن والدينا عندما أهدانا إياهما طلبا إلينا وضعهما عند الذهاب إلى مكان جديد. و أكملت الحمراء و هي تتحسس قلادتها بتقدير: إني أشعر بالأمان بينما نرتديها. 

في غرفة حديقة الأجداد, نجد صخر و غالب و علي يجتمعون و يحضرون لليلة الغد أيضا لكن بعناء أقل من التوأم قليلا, ها قل لنا يا عزيزي ماذا قال لك صديقك عن اللغة المكتوبة؟ سألا غالب و عليّ. أجاب صخر: هاهاها لن تصدقوا يا شباب, صديقي حديث المسيرة في هذا المجال و قرر أن يعرضها على أحد بروفيسورات قسمه في الجامعة, و بدا مهتما كثيرا في الموضوع, و حدثني أنه و حسب اضطلاعه الكثير على كتب الرّموز و الآثار أنه يظن أنها لغة تخاطبية ما ورائية و لكنها كتبت في وقتنا الحديث, ربّما و حسب تحليله واحدة من الملاحظات التي يتركها القرّاء في الكتب لبعضهم! حسنا و لم يتكّهن ما هو مضمون الكلام؟ سأل علي. ضحك غالب بنبرة غير المصّدق لهذه المهزلة. بينما أجاب صخر: بلى, إنه يظن أن الرسالة تحمل مفتاحا أو شيئا من هذا القبيل...

بينما يتجول الائر الافتراضي في هذا الحي المثير للفضول, قد يتوجه نظره إلى بيت فيه وميض خافت لنوّاسات النوم, و بالتحديد نحو غرفة الزّغب و الريش حيث شعرت صفصاف التي لم تحضّر حقيبتها بعد لليلة السكانيتي بالعطش  في منتصف الليل. فاستفاقت و شربت الماء و تذكّرت أمر الحقيبة و لم يأخذ الأمر معها الكثير من الوقت و التّدبير فكانت الصفصافة ماهرة في توضيب الحقيبة المثالية للسفر و للتخييم, حقيبة تختصر كل الحاجيات لكنها تحتوي على كل الضروريات. حتّى أن وردة و سارة طلبتا إليها في السابق تعليمهما هذا الفنّ في التّوضيب. لكنّ صفصاف ما إن وقعت عينها على صورة الإعلان الجامعي عن نشاط طلابي عن حلقة دمج الطلاب الجدد بالطلاب القدماء و الذي يحمل رمز مفتاح(كرمز للنشاط بأن ثل هذه التجمعات و الأنشطة الطلابية قد تكون بمثابة مفتاح لآفاق جديدة في الحياة الجامعية) حتى تذكرت طلب سارة منها بإحضار شيئا ما عالقا بذاكرتها يخص المفاتيح, و اعتقدت أنها قد تحتاج هذا الإعلان و وضبته في الحقيبة! 

ماذا رأى زائر الليل في هذا الحي؟ 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author