الوحشية

مقدمة

أسس مجموعة من الفنانين الشبان الفرنسيين هذه المدرسة في باريس، وكانوا قد سئموا أساليب المدرسة التأثيرية، وهم يعتبرون من مدرسة ما بعد التأثيرية POST IMPRESSIONISM، وقد اهتمت هذه المجموعة الفنية الجديدة بالفنون المتحررة، كالفنون الأفريقية والفطرية والبدائية وفنون الأطفال، وعرفت باسم الوحشيـة FAUVISM، وتعتبر هذه الحركة من الاتجاهات الفنية المهمة التي ظهرت في القرن العشرين، وهي تمثل نزعة ثورية جامحة في استخدام الألوان، غير الممزوجة مباشرة على اللوحة، ولم تمثل هذه المدرسة مجموعة واحدة من المصورين، بل نجد أنها ضمت مجموعات متفرقة من الفنانين ذوي الأساليب الفردية، اشتركوا جميعاً في مبادئ هامة، مثل تصميم الأشكال على أساس التسطيح والألوان القوية.

سبب التسمية

وفي عام 1905 عرضت أعمال كثير من مصوري هذا المذهب في صالون عرض، إلا أن الوحشية ولدت كاسم للحركة في عام 1906، عندما عرض هنري ماتيس (زعيم الحركة) مع زملائه -المتحمسين للتغيير- أعمالــهم في معــرض تحــت اســم صالون الخريف، حيث أفزعت الأعمال المعروضة النقاد، فأحدثت لوحاتهم ضجـة في نفوس المتلقين، وذلك بسبب الألوان الصارخة والخطوط الحادة، واللمسات السريعة العريضة للفرشاة، وترجع التسمية بالوحشية إلى الناقد الفني لويس فوكسيل، عندما شاهد هذه اللوحات بجانب تمثال صغير من البرونز، لطفل مستمد من أسلوب عصر النهضة، يشبـه أعمـال النحـات دوناتيللــــــــو، فقال صائحاً: "دوناتيللو بين الوحوش"، عندها سميت قاعة العرض قفص الوحوش، وواضح أن هذه التسمية خالية من أي أصل علمي، لكن أصبح هذا المصطلح هو المسمى الذي دخلت به هذه المدرسة تاريخ الفن والحركات الفنية، وشاعت هذه التسمية واقترنت منذ ذلك الحين بأسلوب ماتيس ومجموعته.

معتدل وعنيف

ومن الجدير بالذكر أنه ظهـر اتجاهان في نفس الحركة، أحدهما معتدل نسبياً: ويمثله ماتيس وديران ودوفي، والآخر عنيف: ويمثله فلامنك وروو، وقد انشغلت المدرسة الوحشية باللون كثيراً، مفضلين الإيقاعات اللونية التي تتصارع وتتصادم، فالفنان الوحشي لا يهتم كثيراً بالغوص إلى أعماق النفس، ولا إلى الوصول إلى مضمون الأشياء، إنما يسعى لاكتشاف الألوان التي يتطلبها العمل الفني، كما ويرفض الفنان الوحشي التدرج اللوني، فالذي يحدد الشكل هو اللون المجاور له، وعلى الرغم من أن الفنانين الوحشيين أبقوا على قربهم للطبيعة، إلا أنها لم تكن بالنسبة إليهم سوى مصدر للإلهام، ولم تكن نظرتهم للطبيعة تهدف إلى التعبير عما يشعرون به تجاهها، ولكن كان مرادهم اعتبارات جمالية بحتـة.

فنانو الوحشية

ومن أهم الفنانين الوحشيين:

هنري ماتيس 1869-1954م: وهو فنان فرنسي، يعتبر من مؤسسي الحركة الوحشية، وتتجلى وحشية ماتيس في مهارته الابتكارية، من خلال استخدام الألوان الساطعة المبهجة، فضلاً عن تميز أعماله بالحس الشرقي، وهو ما جعل منه -من وجهة نظر النقاد- وحشاً محرراً من الوحشية، فليس التعبير عنده مجرد انفعالات عنيفة، إنما هو سمة يغلف بها التكوين الفني بأجمعه، واستخدم ماتيس في أعماله الألوان الزاهية البراقة، وامتازت كثير من أعماله بالتسطيح وطغيان اللونين: الأحمر والأسود، وتأثر ماتيس بالزخارف الإسلامية، واهتم برسم المناظر الداخلية للمنازل، وكل ما هو موجود داخلها، من أثاث وتحف ومنسوجات مزهرة، أما نساؤه فغالباً ما تكون في وضعية الجلوس أو الوقوف مرتديـة اللـون الأخضـر، من أشهر أعماله: (الرقصة)، و(عائلة الفنان)، و(جارية).

راول دوفي 1877-1953: فنان فرنسي، تأثر في أعماله المبكرة بسيزان، اتجه إلى تصوير سباق الزوارق ومضمار سباق الخيل، وكان من أشهر مزخرفي النسيج، فمنذ عام 1911 قدم الكثير من الرسوم الزخرفية على المنسوجات والحرير، من أشهر أعماله: (نزهة على الشاطئ).

جورج روو 1871-1958: فنان فرنسي، تتلمذ على يد الفنان جوستاف مورو، صوَّر مهرجي السيرك، ثم انتقل إلى التصوير الديني المأساوي، تميزت لوحاته بألوانها الداكنة، زيَّن بعض الكتب المهمة بالصور الايضاحية، واستعمل الألوان القوية وحرَّف الأشكال، من أشهر أعماله: (النساء الباكيات).

أندريه ديران 1880-1954: فنان فرنسي، تأثر بأسلوب ماتيس، واستخدم اللون الأحمر كثيراً في لوحاته الفنية، غير أنه ما لبث أن اجتذبته التكعيبية، كان يهدف دائماً إلى تصميم تكوينات ذات وضوح لا غموض فيها، تأثر بالنحت الزنـجي، وبعدها اتجه إلى الفن الروماني، من أشهر أعماله: (صندل في نهر التايمز)، و(امرأة في قميص).

موريس دي فلامنك 1876-1958: فنان فرنسي، ينحدر من أصل بلجيكي، تميزت لوحاته بأنها ذات إيقاعات قوية وعنيفة، كانت أحاسيسه ومشاعره تتحول إلى ألوان صاخبة، وقد حركت انفعالاته مشاهدته لأعمال الفنان فان جوخ الذي قال عنها: "إن كل لوحة من لوحات فان كوخ انفجار، فهو في أعماله يفتح قلبه ويصرخ بما في أعماقه، بلا تحفظ ولا زيف ولا تكلف"، اشتهر فلامنك بتصاويره المنفذة بتقنية التكثيف اللونــي (الفرشاة المشبعة IMPASTO)، وبالانتقالات المفاجئة من الداكن إلى الفاتح، وقد اهتم فلامنك بالأدب ونظم الشعر وكتابة الرواية وسيناريو الأفلام، من أشهر أعماله: (منظر خلوي بأشجار حمراء).

مميزات الوحشية

انفردت الوحشية بالعديد من المميزات، أهمها:

اعتماد التسطيح في الأشكال.

الشكل العفوي والطفولي المبسط.

استخدام الألوان الصارخة والعنيفة.

استخدام اللون الأسود كتكحيل وتحديد الأشكال.

الاهتمام بالعلاقات المتوهجة للألوان.

الاهتمام بالشكل على حساب المضمون.

رسم المشاهد الطبيعة والأماكن التي يكثر فيها النشاط الإنساني.

المراجع

فنون الغرب في العصور الحديثة، نعمت إسماعيل علام، مؤسسة المعارف للطباعة والنشر، مصر، 1983.

موجز في تاريخ الفن، آمال الصراف، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوريع، الأردن، 2004.