تَقَمص.ِ
في اغُسطس الماضي بعد ان تم تعييني بشركة س في عمان ، اقبلت الى المكتب ثروت امرأة اربيعينية ، مرحة بعينيين حالمتيين ووجهً شبيهً بحديقةً مُهملةَ كانت تبدو نحيلةَ ،نشيطةُ الحركةَ ، جريئةُ الاقبال ببنطالً مُمَزقَ وسترةً جميلةَ وشعرً اسودَ منسدلً على كتفيها ، اخافتني جرأتُها بالاقبال كلماتِها غير المدروسة وترحِيبها المُبالغ ، تجنبت ذاك اليوم الاقتراب او أيَّ من انواع التواصل حتى فيما يخصُ العمل، في فترةِ الاستراحةَ اقبلت ثروت من قسمها المجاور الى قسمي في إحدى المكاتب ضمن المجموعة التي كنت فيها مع إحدى الفتيات ، استمرت في دَّجِ كلماتِها والضحك باستمرار مع الجميع ، كانت ثروت امرأة متصابية متهورة في حديثها ، في الوقت نفسه كانت تنظر بفضول وحرص معاً ، احسستُ أنها تودُ لو أن أمهدَ لها الحديث قاطع هذا المشهد سؤال إحدى الفتيات لثروت عن ما اذا كانت أماً او لديها اطفال، اجابت فتاةَ أُخرى يبدو انها صديقةَ مقربةً منها بأنها فقدت زوجها وابنها في فترة الانتفاضة حيث كانت في فلسطين واستشهدا أَّثَرَُ ذلك ،اثارني الفضول حولها فتعادلنا ، تُرى كم عانت جراء ذلك؟؟ يبدو ان هذه الآلام رسمت العديدَ من خطوط وجهها !! ، تبادلتُ احاديثَ التعارف مع من تبدو صديقتها المقربة ما جعلها تزجُ نفسها بهذا الحديث بحرصَ فأثار استغرابي حرصها هذا الذي لا يتناسب مع شخصيتها ، كان لهذا الحديث نقلة لعلاقتي بها تلك الفتاة الجريئة مفتعلةِ المشاكلَ مع الجميع ، كان الجميع يخافها حتى مديرُ الشركة ،كانت تمتلك مهارة التلاعب بالآخرين واقناعِهم بقصص متناقضة عن نفسِها لطالما أَّني كنت أُميزَ الجزءُ الحقيقي منها ،لم أُشعر ثروت يوما انها تكذب كنت اجعلها تفعل ذلك بي ،بينما الجميع يتكلمُ عن افتعالها للقصص والرواياتِ عن نفسها وعن ماهيةِ ديانتها الحقيقية التي تُنكرها .
وَدَدْتُ لو ان أعرف ثروت حقاً ..من هي ثروت ؟؟ ما الذي تُخفيه؟؟ كانت تنتقي صديقاتِها بخوف ،لطالما احبتني ثروت واختلفت بمعاملتِها لي عن الجميع ووضعتني مع من تحب فتشاركني تفاصيلَ يومِها فتزُجني ( بجروبات) صديقاتها وبمن تثق بهم ،فتعاملني كطفلةً تارة وصديقهة تارةً أُخرى.
جاء اليوم الذي تركتُ فيه العمل ،كان آخر من التقيتهُ ثروت ،ودعتني بحرارة متمنيةً لي التوفيق ، لم اهتم لصداقتها يوما ، كانت زميله عمل لا اكثر ،فأخجلُ من تصرفاتها ونحن معاً ومما تكتبه على الفيس بوك بِجُرأتِها المبالغةَ تلك تخلصت من هذا بوضعها بقائمةِ الحظَّر .
فِي الحادي والعشرون من اغسطس وَصلني خبرُ موتِها كالصاعقة ،اتضحَ بعدها ما كانت تخفيه من تَبَرأُّ عائلتها وابنها الوحيد منها وهذا ما جعلها تلجأ الى العيش وحيدة بقروضٍ وديونٍ متراكمةَ باحثةً عن لقمةِ عيشها، في اسابيِعها الثلاثُ الأخيرة اصبحت شخصاً آخرا ازالت قناعَ التخفي وارتدت حجابها ، لم ابغض ثروت يوماً لقد كانت ثروت حقيقية اختبأت حول كذِباتها من الناس.. اخفت ديانتها الحقيقية لتجنب نفسها عناء ذم الناس لها، ماتت ثروت بصورتها الداخلية الحقيقية وعاشت مُتنكرة..
You must be logged in to post a comment.