ثيــاب قيــس

 يقال أن الحب نعمـة .. لكنه غالبـا ما ينقلب الى نقمــة .. تعصف بقلب صاحبه وربمـا بمن حولــه

ولذلك قيل : " أحبب من شئت هونـا فعسى أن يصير بغيضك يومـا .. وأبغض من شئت هونا فعسى أن يصير حبيبك يومـا "

****

حكاية الحكاية

ذات يوم مررت بمجلس جلست فيه والدتي وثلة من صديقاتها .. ومن بينهن فتاة شابـة

فذهب الحديث بهن .. فإذا بـه يتطرق الى الرجال .. فقالت الشابة لأخرى : لا أعلم كيف تطيقين

أن يتزوج زوجك امرأة غيرك .. قالت : وماذا في يدي من حيلة .. ثم ان هذا شرع الله

قالت الشـابة : لو كنت مكانك لقتلته ثم انتحرت .. وذهب المجلس بين مؤيد ومحرم

وذهبت أنـا الى أختي اخبرها بما سمعت .. وتطرقنا بدورنا في حديث عن أصناف النساء

وطرائق تفكيرهن .. وبأمثلة من الواقع الذي يشملنا

*********

خرجت ذات مساء ماطر فإذا بها تجد من كانت عنه تبحث .. فأهدته في يوم علبة صغيرة بداخلها هدية

حاولت تغليفها ببراعـة ودقــة .. شكرها بأدب .. فطلبت إليه أن يلقي نظرة على ما بداخل الصندوق

وكانت تشعر بالنشوة والسعادة .. والفخـر .. فـ دار في خلده .. ولم لا .. وفتح الصندوق.. فإذا بداخله قلب لا يزال ينبض .. حي يرزق .. تعجب .. وذهبت به الدهشة مبلغا كبيرا واغتالته الصدمـة

عاد ينظر اليهـا في تساؤل وحيـرة .. فإذا بابتسامتها تقول : نعم ؛ هو قلبي .. أهديه لك زز!

أراد الإعتذار والرفض.. وحاول أن يعيد إليها هديتها .. لكنها رفضت بإصرار مؤدب

قائلة : الهدية لا ترد .. سكت . والحقيقة أنه كان يتسائل دوما : أأستحقه أنا حقا ..؟

ومنذ تلك اللحظة وذلك اليوم أصبحت تمطره بوابل من المشاعر .. كانت تجد فيه كرما منها يستحقه هو ويؤمن هو أنها مبالغة ..

ومشاعر لا عنوان لها .. مبعثرة .. وكثيرة عليه .. فقال اذا كانت هي تريد .. فماذا يضر .. وربمـا هي عقول بعض النساء .. صغيرة ..

 حتى جاءت اللحظة التي أحس فيها بثقل تلك الهدية .. وأنها تتجاوز الى المساحة التي لم يخصصها لها في نفسه ..

فقرر إعادتها إلى صاحبتها مع عبارة تقول : شكـرا كفى الى هنا .. فلكل منا طريقه ..

عصفت به هي واشتاطت غيظا وصراخا .. ومَنَـا وتذكيرا .. 

سكت هو يستمع إليها ولا يرد بعبارة .. حتى انتهت فقال عبارة واحدة كانت كافية : وداعا ..

قالت: أي وداع .. لن أتركك تذهب عني بعيدا .. ولن تأخذك مني أخرى ..

وقد أهديتك أعز ما أملك .. قلبي الذي كان بالأمس ينبض ..

قال : أنت أهديتني إياه ولم يكن لي فيه مطمع منذ البداية .. لكنك أصررت فأذعنت أنـا ..

فلماذا ترفضين استرداه منى الآن .. وقد عجزت ؟

قالت بإصرار وثورة : أحب قيس فمـا خان .. وما جحد .. وأنت تتركني في بساطة ويسر وبلا أدنى سبب ..

قال : لأني لم أحببك ولم أعدك بشيء . قالت : أنا أحبك .. ولن ترحل .. الى أي مكان من دوني .

قال ماذا تقصدين ؟

قالت بعد تفكـر والبسمة على محياها : تذكر أني أنذرتك .. ستعلم عني فعلا لا قولا .. وقد اعذر من أنذر .

أسقط في يد الرجل .. ولم يعقب ..

مضت ثلاث أيام .. كانت الأفكار فيها تنهش رأسها .. واطمأنت نفسـه برحيلها .. وقد خاف في البدء تهورهـا وجنونها ...

حتى جاءت تسعى في اليوم الرابع في شيء من الهدوء والزهو .. قائلة : سأنساك بشرط ..

قال : وما هو ؟

قالت : تلبي دعوة أخيـرة لي في ذاك المقهى .. نظر إلى حيث تشير .. وقال : حيث تعملين .

ابتسمت قائلة : نعم .. وحيث عرفتك والتقيتك أول مرة ..

ابتسم هو مجاملا .. قبل ان يحث الخطى معها إلى ذاك الركن من المكان .

جلس فقدمت له هي كوب شاي .. وصبت لنفسها مثله . . وجلست ترتشف من كوبها في هدوء .

أربكه هدوئها المستسلم .. وقد عهدها ذات صوت جهوري لا يسكت .. وحركة سريعة .. لا تهدأ ..

فكر في أن يكسر صمت المكان .. ثم آثر سلامـة الهدوء .. وقال في نفسه : ربما تعقبه عاصفة ..

تعتمل في داخلها .. فعاد الى ارتشاف الشاي في سكينة .. وما أن انتهت من كوبها ..

حتى نظرت إليه قائلة في هدوء هامس : لقد وعدتك أتذكر ؟

حاول التذكـر فلم تسعفه الذاكرة بشيء .. فسأل : بم ؟ ...

أجابت بابتسامـة كبيرة : أني لن أعاني فراقك بعد الآن ..

ظنها مداعبة منها : فبادلها الابتسامة بأخرى أكبر ..

وأعقبهـا بضحكة مجلجلـة .. قبل أن يعود كل منهما الى صمتـه الثقيل .

مضت دقائق خمس قبل أن تهمس في خفوت أكبر ..

وهي تنظر حولها في توجس : ولقد وفيت بوعدي .. فأنت قيسي شئت أم أبيت .

قال مندهشا : أي وعد ؟ ثم صرخ وقد رأى في عينيها الجدة والعزم : ماذا فعلت يا مجنونـة ؟ ..

نظرت بجذل الى الكوب الذي افرغ محتواه في جوفه وأجابت : قتلتك ونفسي وانتهيت ..

فإن لم تجمعنا الدنيا فسيلاحق طيفي طيفك بين القبور ..

أليس هذا مما أنشدتني من شعر ابن الملوح ..؟

نظر بدوره الى الكوب الفارغ في فزع .. وقد عرف سبب الالم الذي كان يجتاح بدنـه دون تروي وسابق انذار ..

ثم صرخ في وجههـا : يـا مجنونـة لست أحبك .. ولسـت قيسـك..

قالت في شرود هادئ : فات الأوان .. ثم تابعت تردد في صوت رتيب والدموع تتناثر من عينيها :

أو أستطيعُ تجلّداً عن ذكركم *** فيفيقَ بعضُ صبابتي وتفكّري

لو تعلمين بما أجنُّ من الهوى *** لعَذَرتِ، أو لظلمتِ إن لم تَعذرِي

واللهِ، ما للقلب، من علمٍ بها *** غيرُ الظنونِ وغيرُ قولِ المخبرِ

لا تحسبي أني هجرتكِ طائعاً *** حَدَثٌ، لَعَمْرُكِ، رائعٌ أن تُهجري

يهواكِ، ما عشتُ، الفؤادُ *** فإن أمُتْ، يتبعْ صدايَ صداكِ بين الأقبرِ

ابتسم في مرارة وهو يضيف قبل يعود الى كرسـه جالسا :أنها حتى ليست لقيس ..

هذه من أبيات جميل .. ردت وهي تهز كتفيها في لامبالاة : لا يهـمني لمن تكون ..

المهم أن تكون أنت لي .

وكان الأوان قد فات فعلا .. للقيام بشيء قد ينقذ الموقف وحياتيهمــا .

*****

ترى .....!

* كم من النساء على استعداد لتخسر نفسها .. حياتها .. وسمعتها من أجل وهم لا يستحق الحياة ؟

* وكم من النساء تعيش في واقعهـا أدوارا أكل عليه الدهر وشرب ؟

* وكم من الرجـال يطمع في ارتداء ثياب قيس بن ملوح .. دون أن يجول في خاطره أنه قد يلقى نهايته ؟

 

 

Enjoyed this article? Stay informed by joining our newsletter!

Comments

You must be logged in to post a comment.

Related Articles
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ٢:٠٣ ص - Momen
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٥٢ ص - صانعة السعادة
يناير ١٠, ٢٠٢٣, ١:٣٧ ص - anis
أبريل ١٣, ٢٠٢٢, ٣:٥٥ ص - Mohamed
مارس ١٨, ٢٠٢٢, ٣:٣٢ م - Sarora Fayez
فبراير ١٢, ٢٠٢٢, ١٠:٥٣ م - مريم حسن
About Author