تعد ظاهرة القتل بقصد الثأر من الظواهر شديدة الخطورة على أمن المجتمع المصري وسلامة المواطنين ومن ثم يتعين أن تتضافر جهود كافة أجهزة الدولة على اختلافها بغية التصدي لهذه الكارثة غلقاً لنافورة الدماء الدافقة فالقتل الثأري تلفظه كافة الشرائع السماوية وتجرمه قوانين العقوبات وهو لا يقل عن كونه عادة جاهلية ظالمة ومناقضة للعدل والرحمة في أغلب صوره وذلك على الوجه الآتي:
(1) – القتل الثأري جريمة كبرى في الإسلام ولا يعتبر قصاص:
قد يعتقد البعض أن قتل القاتل أخذاً لثأر المقتول منه هو عدل وقصاص والحقيقة أن هذا البعض قد اختلط عليه فهم القصاص ذلك أن القصاص من القاتل في الإسلام له شروط لا تتوافر غالبا في القتل الثأري ومنها:
أ- أن إقامة القصاص يتم تنفيذه بمعرفة الإمام أو نائبه بناء على طلب أولياء القتيل والإمام هو حاكم الدولة أو الجهاز المختص بذلك مثل المحاكم الجنائية أما القتل الثأري فيقوم بتنفيذه أولياء القتيل أو أيا من أفراد عائلته.
ب- أن القصاص في الإسلام يكون بالنسبة للقتل العمد فقط أما في القتل الثأري قد يؤخذ الثأر من القاتل سواء قتل القتيل عمدا أو على سبيل الخطأ.
ت- في الإسلام لا يجوز القصاص إلا من القاتل العمد بشخصه أما في القتل الثأري فقد يؤخذ الثأر من القاتل بشخصه أو ممن لا ذنب له ولا جريرة مثل أبناء القاتل أو أخوته أو غيرهم فيقع القتل ثأرا من أشخاص أبرياء لم يرتكبوا ذنبا ولا علاقة لهم بواقعة القتل. وبل وفي بعض الحالات يقوم آخذ الثأر بإطلاق الأعيرة على القاتل وكل من تواجد حوله من الأبرياء توصلا لقتله دون ذنب لهم.
ث- يقول رب العزة سبحانه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ۚ } ويقول {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ويقول النبي الكريم (ص) : { لا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ أَوْ أَبِيهِ } ويقول { أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإشْرَاكُ بِالله، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: وَشَهَادَةُ الزُّورِ }
وعلى ذلك فإن القتل الثأري يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ولا يجوز اعتباره نوع من القصاص بل هو إثم وذنب عظيم!
(2)- القتل الثأري جريمة جنائية في قانون العقوبات :
القتل الثأري جريمة عمدية تتخذ وصف الجناية وتختص بنظرها والفصل فيها محكمة الجنايات التي وقعت في دائرتها هذه الجريمة فلا يتصور مطلقاً أن يقع القتل استيفاء للثأر على سبيل الخطأ بل وغالبا ما يرتبط هذا النوع من القتل بأحد أو بعض الظروف المشددة للعقوبة مثل ظرف سبق الإصرار حيث يكون القاتل بقصد الثأر قد خطط لجريمته بهدوء وروية وصمم على ارتكابها ومن ثم فإن عقوبته هي الإعدام طبقاً لنص المادة (230) من قانون العقوبات والتي تنص على أنه : { كل من قتل نفساً عمدا مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام. } وقد عرفت المادة (231) ظرف سبق الإصرار بقولها : { الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط } وأحيانا يضطر القاتل ثأرياً إلى الترصد لمن يريد قتله ثأراً منه فيتربص له في جهة أو أكثر ليتمكن من مباغتته أي مفاجأته حتى يتمكن من قتله فيضاف إلى ظرف سبق الإصرار ظرفا مشددا آخر هو ظرف الترصد الذي عرفته المادة (232) عقوبات بقولها : { الترصد هو تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه. } ويكفي توافر أحد هذين الظرفين المشددين حتى يحكم على القاتل بالإعدام.
ولما كان القتل العمد الثأري يقع عادة باستخدام سلاح ناري يحوزه أو يحرزه الجاني بما يتضمنه السلاح من ذخائر فإنه تنسب إليه جنايتين أخريين إذا لم يكن لديه رخصة بحيازة ذلك السلاح وذخيرته أولاهما: جناية حيازة سلاح ناري بغير ترخيص وثانيتهما: جناية حيازة ذخيرة مما تستعمل على ذلك السلاح بغير ترخيص.. ويتوقف تقدير العقوبة الجنائية عن ذلك وفقاً للجدول الذي ينتمي إليه هذا السلاح ذلك أن عقوبة جناية حيازة أو إحراز سلاح ناري غير مششخن وهو السلاح ذو الماسورة المصقولة الملساء من الداخل هي السجن أي من 3 – 15 سنة والغرامة بحد أقصى 5000 جنيه لكون هذا السلاح ينتمي إلى الجدول رقم (2) حيث تنص على ذلك المادة (26 / 1) من قانون الأسلحة والذخائر رقم 394 لسنة 1954 بقولها : { يعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق }
أما إذا كان السلاح الناري مششخن الماسورة فهو ينتمي للجدول رقم (3 قسم أول) من ذات القانون وتضحى عقوبة حيازته أكثر شدة فتصبح العقوبة السجن المشدد والغرامة بحد أقصى 15000 جنيه طبقا لنص المادة (26 / 2) من ذات القانون فإذا كان السلاح ينتمي للجدول رقم (3 قسم ثاني) طبقا لنص المادة (26 / 3) من ذات القانون كانت العقوبة هي السجن المؤبد والغرامة بحد أقصى 20000 جنيه ويلاحظ أن العقوبات هنا متدرجة وفقا لدرجة خطورة السلاح فكلما تزايدت خطورته تزايدت تبعا لذلك عقوبة حيازته أو إحرازه.
أما حيازة الذخيرة المستعملة على هذه الأسلحة جميعا فقد اعتبرها المشرع جناية واحدة مستقلة عن جناية حيازة السلاح وحدد لها عقوبة واحدة أيا كان نوع السلاح التي تستعمل عليه تلك الذخائر حيث نصت المادة (26/4) من قانون الأسلحة على أنه: {ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل في الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقمي (2) و (3) }
ومن ثم فإن القاتل ثأريا يواجه ثلاثة اتهامات إذا استعمل سلاحا ناريا غير مرخص في استيفاء الثأر الأولى قتل عمد مع سبق الإصرار والثانية حيازة أو إحراز سلاح ناري بغير ترخيص أو مما لا يجوز ترخيصه والثالثة حيازة ذخيرة بغير ترخيص وفي هذه الحالة تطبق المحكمة عقوبة الجريمة الأشد أي عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار ( الإعدام ) إذا ارتأت أن الجنايات الثلاثة ارتكبت في إطار مشروع إجرامي واحد وكان بينها رابطة ويتعذر تجزئتها وذلك عملا بما نصت عليه المادة (32 / 2) عقوبات بقولها : { وإذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم. }.
وينبغي الإشارة إلى أنه هناك العديد من الظروف المشددة الأخرى التي نص عليها القانون
وأخيرا فإنه ليس هناك - وعلى العكس مما تقدم – ما يمنع القاضي من إعمال ظروف الرأفة طبقا لنص المادة (17) عقوبات وذلك بتخفيف عقوبة الإعدام إلى عقوبة السجن المؤبد أو السجن المشدد حسبما ترتئيه المحكمة.
(3) - القودة (تقديم الكفن والعفو عن القاتل) :
وحيث جرى العمل في بعض الحالات قبل وقوع جريمة القتل الثأرية على تدخل بعض الأشخاص الأخيار بين عائلتي القاتل والقتيل لإقناع الأولى بتقديم الكفن وطلب العفو والصفح وإقناع الثانية بقبول الكفن (القودة) والعفو والفح عن القاتل لوجه الله تعالى فبالرغم مما يعتري هذا النظام وما تتضمنه تفصيلاته التي ربما تكشف عن إذلال ومهانة للقاتل وعائلته بصدد إجراءات وكيفية تقديم القودة إلا أنني من أشد المؤيدين لذلك ولا يدعوني إلى التأييد – وعلى مضض واستحياء – إلا الحرص المطلق على أرواح الأبرياء وصون دمائهم دون ذنب أو إثم لهم فصون حرمة الدماء ووقف نافورة تلك الدماء لأجيال قادمة هدف أسمى ينبغي صونه وأرى من يقدم كفنه ويقبل بعض من الذل لنفسه ليعصم دماء بريئة طاهرة قد تهدر من العائلتين شخصا يستحق كل الثناء وأرى من يقبل القودة ويعفو ويصفح لوجه الله تعالى عن دماء أهدرت هو من أجاويد القوم وكرامهم وله كل التقدير.
(4) - دور الدولة في مأساة الثأر:
ينبغي على الدولة في رؤيتي الخاصة أن تعمل وفق مبدأ : { الوقاية من الجريمة خير من معالجة آثارها } فلما كانت حيازة الأسلحة النارية وذخائرها مؤثمة قانونا فإنه يتعين على الدولة اتخاذ كافة ما يلزم من إجراءات لسحب هذه الأسلحة والذخائر وتفعيل الرقابة علنا وسرا على كافة المناطق التي تنتشر فيها مثل هذه الظاهرة لتضييق نطاق حيازة تلك الأسلحة ومحاصرة من يبيعها وينقلها ويحوزها ويصنعها ويصلحها ويخفيها وتفعيل نصوص قانون الأسلحة والذخائر في هذا الصدد فضلا عن التوعية الدائمة والعمل على إحلال مفاهيم وعادات جديدة تحل محل هذه الثقافات المتعصبة المدمرة وأن تتعهد الأجيال الجديدة في هذه المناطق بثقافات جديدة تمحو من ذواكرهم فكرة الثأر .
مستشار دكتور : حسام عبد المجيد جادو
You must be logged in to post a comment.